والرب تعالى أقدره على ذلك كله... قال ويستحيل أن يخاطب العبد بافعل وهو لا يمكنه أن يفعل، وهو يحس من نفسه الاقتدار والفعل، ومن أنكره فقد أنكر الضرورة " (1).
(الثالث): وهو التوسط بين هذين الرأيين، ومرده إلى أن الإنسان ليس له كمال الاختيار، ولا كمال الاضطرار، بل هو من جهة مضطر كما هو من جهة أخرى مختار، وقد جمع الاضطرار والاختيار في وقت واحد لكن من جهتين. وهذا المذهب هو الذي حكاه الأشعري عن هشام بن الحكم، ونسب إليه أنه كان يقول:
" إن أفعال الإنسان اختيار له من وجه، واضطرار له من وجه، اختيار له من جهة أنه أرادها واكتسبها، واضطرار من جهة أنها لا تكون إلا عند حدوث السبب المهيج " (2).
وقد جرى هشام بمقالته هذه على ما جرى عليه جمهور الشيعة الإمامية، فقد ذهبوا إلى أنه لا جبر ولا تفويض وإنما هو أمر بين أمرين. وهم بهذا لا يثبتون للانسان الجبر المحض كما ذهب إليه الجهم وأتباعه وغيرهم، ولا يثبتون التفويض والاختيار المحض كما قال به المعتزلة، بل اختاروا طريقا وسطا يتلائم مع واقع الإنسان في أفعاله، ولا يتنافى مع عدل الله سبحانه، كما ترتب ذلك على قول المجبرة الذين قصدوا إلى التوحيد، وأنه لا مؤثر في الوجود غير الله، فوقعوا في نسبة القبيح والظلم إليه، ولا يمس عموم قدرة الله كما ترتب ذلك