وأما ثانيا: فلأن هذا الحديث بأي لفظ كان - من متفردات أهل السنة وما كان كذلك فهو غير صالح لإلزام الإمامية به، ولا اقتضاء له لحملهم على رفع اليد عن عموم حديث الطير به. وأما ثالثا: فلأن ما رووه في أحبية أسامة ليس عندهم في مرتبة حديث الطير، فإن حديث الطير - كما فصل سابقا - متواتر مقطوع بصدوره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد بلغت طرقه حدا في الكثرة حمل بعض أعلام حفاظهم على جمعها في أجزاء مفردة. أما حديث أحبية أسامة فلم تتعدد طرقه فضلا عن التواتر والثبوت.
رد الاستدلال بما ادعاه من تقديم النبي أبا بكر في الصلاة وأما الوجه الرابع - وهو دعوى اضمحلال حديث الطير ومفاده بتقديم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر في الصلاة - فأوهن وأسخف مما تقدمه، وهو يدل على بعد الكشميري عن أدب المناظرة والاحتجاج... وذلك لأن تقديم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر في الصلاة من الموضوعات، وفيهم من اعترف بوقوع الاختلاف والاضطراب الفاحش في روايات القصة كابن حجر العسقلاني في شرح البخاري، وهذا الاضطراب والاختلاف دليل الوضع والافتعال لدى جماعة من الأكابر منهم: كابن عبد البر، والأعور، والكابلي، (والدهلوي) كما تبين في (تشييد المطاعن).
على أن الاستخلاف في الصلاة لا دلالة فيه على الإمامة، وبهذا صرح ابن تيمية حيث قال: " الاستخلاف في الحياة نوع نيابة لا بد لكل ولي أمر، وليس كل من يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح أن يستخلف بعد الموت، فإن النبي استخلف غير واحد، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته... " (1).