من عنده علم الكتاب ؟ - الشيخ جلال الصغير - الصفحة ١٤
حركته.
ومن جهة أخرى تعطينا كل الحق في النظر إلى تيار التحريف والتشكيك بريبة واتهام، وخصوصا وأن أغلب الأفكار والممارسات التي حاولت التحريفية أن تستهدفها هي من النمط الذي لا يمثل أرقا فكريا أو هاجسا جدليا تعاني منه حالة النهوض بالمشروع الحضاري والإسلامي، وإنما هي في الأعم الأغلب من جملة الموضوعات التي يصلح القول فيها أنها كانت راقدة، بحيث يمكن القول معه أن أي ضرورة فكرية أو حضارية - على خلاف مدعى أهل التحريف - لإثارة مثل هذا الجدل لم يكن لها وجود بالمرة (1).

(١) هذا لا يعني أننا نطالب بالانغلاق على المسائل الفكرية النائمة وإن حوت على مشاكل في البنية الدليلية، وإنما الوعي الحركي الحضاري يفترض تارة أولويات في الخطاب الفكري تبعا لحجم الضغط الذي تفرزه متطلبات الواقع الحركي من جهة، وضغوط التيارات الحضارية الأخرى من جهة ثانية، وعندئذ سنجد أن في جعبتنا المئات من الموضوعات التي ينبغي أن يتصدى لها رجال الفكر باعتبارها من أولويات هذا الخطاب.
وتارة يفرض أن نعالج هذه الموضوعات وغيرها ضمن قدرة دليلية تكفي لنقض ما كان لدينا من أفكار وقيم ضمن مسيرة البحث عن الأفضل والأكمل.
أما أن نتخذ من هذه المسيرة حجة لمواجهة تلك الأفكار ونعتها بكل النعوت السلبية بقدرات استدلالية متدنية، فهذا ما لا يرضى به ذو عقل. فأنت حر في مناقشة ما تريد، ولكن ينبغي مراعاة حقيقة أن النقاش لم يوضع لأجل النقاش، وإنما من أجل أن يوصلنا إلى الأفضل، وبغيره فالشك والجدل يغدو عملية عابثة قد تدخل في أي نمط في السلوك الاجتماعي إلا أن تدخل في عالم الأفكار، فهو منه براء.
وهذا ما حصل بالضبط مع الثقافة التحريفية التي استعارت مناهج معرفية غريبة عن الفكر الإسلامي فأوقعها ذلك في مطب عدم تقبل الفكر العقائدي فراحت تنبش علها تحصل على دليل، ولكنها ظلت عاجزة وبعيدة عن تشكيل حتى مجرد دليل يمكنه نقض الفكرة السابقة، فضلا عن الإتيان بدليل ينمي ويعزز الفكرة المطروحة.
وهذا ما يقود بطبيعة الحال إلى إيجاد المبرر الحقيقي للارتياب في حقيقة أهداف عملية النبش العقائدي هذه، إذ نجد هنا اجتماع العبثية واللامسؤولية مع تدني الفكر المصاحب بادعاء عريض على أن فكر التحريفية هو فكر الإسلام، الأمر الذي قاد إلى الاعتقاد أن المسألة تتجاوز البعد الفكري لتلتحق بالأبعاد خصوصا إذا ما لاحظنا ذلك ضمن منظار ذلك الإصرار على الطرح الفكري التحريفي مع وجود قناعة بعدم وجود الدليل المقنع، ولربما من ينظر إلى طبيعة الممارسات التي صاحبت ضجيج التحريفية الجديدة، يشعر إن الكثير منها يضفي نمطا دراماتيكيا يستحق التأمل الشديد، كون أغلب تلكم الممارسات لا تنتمي إلى ما ألفناه من أجواء أكثر الطروحات تنكرا للعقائد.
(١٤)
مفاتيح البحث: الجدال (1)، الحج (1)، الهدف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 16 17 18 19 20 ... » »»
الفهرست