مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٩ - الصفحة ١٥٦
وقد نجد لهذا الكلام ما يؤيده، فقد ذكر ابن حزم أن من طوائف الغلاة: الخوارج الذين غلو فقالوا: إن الصلاة ركعة واحدة بالغداة وركعة بالعشي فقط، وكذلك عد من الغلاة من قال بنكاح المحارم، أو من قال: إن سورة يوسف ليس من القرآن الكريم وكذلك من ذهب من طوائف المعتزلة إلى القول بتناسخ الأرواح، أو من حكم بحلية شحم الخنزير ودماغه، أو من قال: بأن من عرف الله حق معرفته سقطت عنه الأعمال والشرائع (1).
وقال الشهرستاني في الملل والنحل: " والغلاة هم الذين غلو في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخلقية وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، فربما شبهوا واحدا من الأئمة بالآلهة، وربما شبهوا الإله بالخلق " (2).
فانظر كيف عد تشبيه الخالق سبحانه بالمخلوق من الغلو، ولم يحصره بتأليه المخلوق، وعلى هذا فالغلاة لا حصر لهم بفئة أو طائفة معينة كما يحب إشاعته من لم يع حقيقة الغلو ولم يفهم معناه، وإنما هم في الواقع - كما يقول الشيخ المفيد -: " قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم " (3).
ومن جملة ما تقدم يعلم بأن للغلو مصاديق جمة في الفكر والعقيدة، ولا زال معظمها قائما إلى اليوم، فالجبر، والتشبيه والتجسيم، والرؤية والحلول والنزول والاستواء كلها من الغلو، لأنها من الاعتقادات التي تجاوزت الحد وخرجت عن القصد، ونظيرها القول بعدالة الصحابة، بل

(1) الفصل في الملل والأهواء والنحل - لابن حزم الأندلسي - 2 / 246.
(2) الملل والنحل - للشهرستاني - 1 / 288.
(3) تصحيح الاعتقاد - للمفيد -: 240.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست