مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٩ - الصفحة ١٥٥
النصارى فيه غلوا لتعديه الحد " (1).
وقال الطبرسي في تفسير الآية المتقدمة: " أصل الغلو مجاوزة الحد، يقال: غلا في الدين يغلو غلوا، أو غلا بالجارية لحمها وعظمها إذا أسرعت الشباب وتجاوزت لداتها، تغلو غلوا وغلاء. قال الحرث بن خالد المخزومي:
حمصانة قلق موشحها * رؤد الشباب غلا بها عظم " (2) ويعلم مما تقدم سعة معنى الغلو في اللغة، وأنه لا حصر له بتجاوز الحد في رفع المخلوق إلى مرتبة الخالق، ولهذا قال العلامة الطباطبائي في معرض تفسير الآية الشريفة: " ظاهر الخطاب بقرينة ما يذكر فيه من أمر المسيح (عليه السلام) أنه خطاب للنصارى، وإنما خوطبوا بأهل الكتاب - وهو وصف مشترك - إشعارا بأن تسميهم بأهل الكتاب يقتضي أن لا يتجاوزوا حدود ما أنزله الله وبينه في كتبه، ومما بينه أن لا يقولوا عليه إلا الحق " (3).
وأما في الاصطلاح فلم أجد للغلو تعريفا يجمع أشتات هذا المعنى، وكل ما ذكر لا يعدو أكثر من الاعتقاد بتأليه المخلوق ورفعه فوق ما هو عليه، وهو ليس بذاك لا سيما وإن في المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام) وكذلك في أقوال بعض علماء العامة ما يؤكد سعة المعنى الاصطلاحي للغلو كما سيوافيك.
وعليه يمكن القول بأن الغلو هو ظاهرة أو موقف معين مبالغ فيه بلا دليل، وقد يكون بحق فرد أو مجموعة، أو قضايا أو أفكار أو مبادئ معينة.

(1) تصحيح الاعتقاد - للشيخ المفيد -: 238.
(2) مجمع البيان - للطبرسي - 3 / 181.
(3) الميزان - للطباطبائي - 5 / 149.
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست