مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤٨ - الصفحة ٣٩٢
وإن أراد: أنه مظنة لاستعمال ما يزيد (1) عن مقدار المد (2) ونحوه بكثير.
فهو ممنوع، والعرف والعادة شاهدة (3)، على أن الزيادة على ذلك لا تصدر إلا عن صبي جاهل، أو جلف جاف (4)، يلعب ويلهو بالماء.
ثم كيف يكون المسح في معنى الغسل، وفائدة اللفظين - في الشرع - مختلفة، لفظ الكتاب والسنة قد فرق بين الأعضاء المغسولة والممسوحة؟!
ولهذا جعلوا بعض أعضاء الطهارة ممسوحا (5)، وبعضها مغسولا، وفضلوا بين الحكمين، وفرقوا بين قول القائل: فلان يرى أن الفرض في الرجلين المسح، وبين قوله: فلان يرى الغسل (6).

(١) في م: ما زيد.
(٢) تقدم تفصيل مقدار المد في الهامش رقم ١٠ ص ٣٨٨ - ٣٩٠.
(٣) في ر: المشاهدة.
(٤) في حاشية ر: وقولهم: (أعرابي جلف)، أي: جاف، وأصله من أجلاف الشاة، وهي المسلوخة بلا رأس، ولا قوائم، ولا بطن. وقال أبو عبيدة: الجلف: الدن الفارغ، قال:
والمسلوخ إذا أخرج بطنه جلف أيضا.
هذا، وقال في لسان العرب: والجلف: الأعرابي الجافي... شبه بجلف الشاة، أي:
إن جوفه هواء لا عقل فيه.
ثم نقل بعد هذا عن الجوهري ما مر في حاشية ر وقال: الجلف: الأحمق، أصله من الشاة المسلوخة، والدن شبه الأحمق بهما لضعف عقله. انتهى.
أنظر: لسان العرب ٢ / ٣٣٢، مادة جلف، وصحاح الجوهري ٤ / ٣٩ ١٣ مادة جلف.
(٥) في م: بعض الأعضاء ممسوحا.
(٦) سبق إلى هذا الاستدلال السيد المرتضى في الإنتصار: ٢٢، والشيخ في التهذيب ١ / ٦٨ - ٦٩، والتبيان ٣ / ٤٥٤، وابن إدريس الحلي في منتخبه ٢ / ٢١٤، والطبرسي في مجمعه ٣ / ٢٠٨.
والظاهر أن حجة كون المسح في الأرجل هو الغسل الخفيف الشبيه بالمسح، جاءت لتبرير مخالفة الظاهر من غير ضرورة كما يبدو من كتاب الحجة للقراء السبعة ٣ / ٢١٥، وتفسير الوسيط ٢ / ١٥٩، والمحرر الوجيز ٥ / ٤٧ - ٤٨، والبيان - لأبي البركات - ١ / ٢٨٤، وزاد المسير ٢ / ٠٢ ٣، والمغني ١ / ١٥٤، وجمال القراء ٢ / ٤١، والجامع لأحكام القرآن ٦ / ٩٢، وتفسير ابن كثير ٢ / ٢٧، وفتح الباري ١ / ٢١٥، وتفسير أبي السعود ٣ / ١١، وتفسير النووي ١ / ١٩٣، وتيسير التفسير ٢ / ٣٣.
هذا مع أن الفرق بين المسح والغسل مصرح به في كتب العامة، وأنه لا يجزى أحدهما عن الآخر، كما هو صريح قول الجصاص في أحكام القرآن ٢ / ٣٣٣ في أثناء حديثه عن غسل الأيدي والوجوه، قال: وأما من أجاز مسح هذه الأعضاء المأمور بغسلها فإن قوله مخالف لظاهر الآية لأن الله تعالى شرط في بعض الأعضاء الغسل وفي بعضها المسح، فما أمر بغسله لا يجزئ فيه المسح لأن الغسل يقتضي أمرا الماء على الموضع وإجراءه عليه.. والمسح لا يقتضي ذلك، وإنما يقتضي مباشرته بالماء دون إمراره عليه، ولو كان المراد بالغسل هو المسح لبطلت فائدة التفرقة بينهما في الآية، وفي وجوب إثبات التفرقة بينهما ما يوجب أن يكون المسح غير الغسل.
وقال في المحرر الوجيز: الغسل في اللغة: إيجاد الماء في المغسول مع إمرار شئ عليه كاليد أو ما قام مقامها وقال أيضا: المسح أن يمر على الشئ بشئ مبلول بالماء، راجع المحرر الوجيز ٥ / ٤٣.
وهكذا نجد التفريق بينهما في تفسير ابن جزي ١ / ٤٩ - ٥٠، وكتاب التسهيل لعلوم التنزيل ١ / ١٧٠ - ١٧١، ومحاسن التأويل ٦ / ١٠٢.
أما علماء الشيعة فقد اتفقوا على ضرورة التفريق بين الغسل والمسح لتباين حقيقة كل منهما عن الآخر، قال السيد المرتضى في الإنتصار: وحقيقة الغسل يوجب جريان الماء على العضو، وحقيقة المسح يقتضي إمرار الماء من غير جريانه، فالتنافي بين الحقيقتين ظاهر لأنه من المحال أن يكون الماء جاريا وسائلا، وغير جار ولا سائل في حالة واحدة راجع الإنتصار: ٢٢.
وفي جواهر الكلام: لا ينبغي الإشكال في تباين حقيقة الغسل، والمسح، وأنهما لا يجتمعان في فرد واحد أبدا كما هو ظاهر الكتاب، والسنة، والإجماع، والعرف، واللغة، راجع جواهر الكلام ٢ / ٢٠٠.
ولو صح أن يكون المراد بالمسح هو شبيهه، أي: الغسل الخفيف - كما زعمه بعض العامة - لما كان في تخصيص هذا المعنى بفرض الأرجل دون الرؤوس أي مبرر معقول لأن الرؤوس عندهم ممسوحة على كل حال، بخلاف الأرجل المعطوفة على الرؤوس، وهذا من العجب!!
قال الإمام الصادق (عليه السلام): إن الرجل ليعبد الله أربعين سنة، وما يطيعه في الوضوء لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه الفقيه ١ / ٢٤ ح ٧٣، وعنه في وسائل الشيعة ١ / ٤٢٢ ح ١١٠٣ باب ٢٥ من أبواب الوضوء.
وقال (عليه السلام): إنه يأتي على الرجل ستون، وسبعون سنة ما قبل الله منه صلاة.. لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه الكافي ٣ / ٣١ ح ٩، وعلل الشرائع: ٢٨٩ ح ٢، وتهذيب الأحكام ١ / ٩٢ ح ٢٤٦، والاستبصار ١ / ٦٤ ح ١٩١، ووسائل الشيعة ١ / 418 ح 1089 باب 25 من أبواب الوضوء (أخرجه عن الكافي).
(٣٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 390 391 392 394 395 396 397 398 ... » »»
الفهرست