مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤١ - الصفحة ٢١٩
ففكرت في عمل قصيدتي هذه، فعملتها، واستشفعت بها إلى الله تعالى في أن يعافيني، وكررت إنشادها، ودعوت، وتوسلت، ونمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمسح وجهي بيده المباركة، وألقى علي بردة، فانتبهت ووجدت في نهضة، فقمت وخرجت من بيتي... ".
فالفالج يبطل نصفه، ولا شك أنه عمل بأسباب الشفاء ولم يفلح، وطالت علته وأيس من الطب في شفائها، وشفت روح المريض الصوفي، وتطلعت إلى ملاذها الأخير إلى الجانب الروحي الإيماني، إلى الله الذي أنزل الداء وجعل له الدواء، فالتجأ الصوفي إلى ربه، متوسلا بنبيه الذي كان طبيبا لهذه الأمة ومخلصا لها، عسى أن يحظى بما عجز الحكماء عنه، فنظم مدحته النبوية، وأنشدها على كبير اعتقاد بالقبول والشفاء، ورأى في المنام ما رأى، وتحقق له ما أمل..
ثم انطلقت قصيدته (البراءة) هذه تجوب الآفاق، وتنتشر بين الناس أيما انتشار ويتدافع حولها الشارحون والمقلدون والمعارضون والمشطرو والمخمسون... بحيث لم تحظ قصيدة عربية قط بما كان للبراءة من مكانة وشهرة بين الناس، حتى أصبحت مجالس معظم الصوفية وحلقاتهم لا تفتتح وتختتم إلا بها، وربما وصفت أبياتها للتداوي بها، " فبعضها أمان من الفقر، وبعضها أمان من الطاعون ". والقصيدة هذه، التي ربما سميت: البردة، للبردة التي ألقاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ناظمها في نومه، وربما وسمت بالبراءة، لأن البوصيري بسببها برئ من علته، هذه القصيدة كانت عدتها مئة وستين بيتا، كما وردت في (الديوان)، على البحر البسيط، وروي الميم المكسورة.
بعد هذه الاستطرادة التي لا بد منها، يستطيع المرء أن يقارن وبسهولة بين (البردة)، وبين أول بديعية نظمت على يد الصفي الحلي، ثم يقارن بين دوافع كل من القصيدتين، ويخرج بعد ذلك ودون كبير عناء، إلى ما وصلنا إليه
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»
الفهرست