مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٠ - الصفحة ٣١
والنائحات، وقراء المآتم، ومنشدو مجالس العزاء الحسيني إنما يهتمون بمضمون الشعر ومدى تأثيره على السامع أكثر ما يهمهم الشاعر نفسه، بل إن الشاعر يغفل عنه غالبا عندهم وعند السامعين على سواء، فلا يسمونه إلا نادرا، ولأغراض خارجة عن إطار القراءة وإقامة المأتم.
ولا يسعني أن أتجاوز هذا الموضوع إلا وأن أذكر واحدا من هؤلاء، وقد أدرك عصره الشريف، وسمع الكثير من شعره، وهو الناشئ البغدادي، علي ابن عبد الله بن وصيف (271 / 884 - 366 / 976) (صاحب المراثي الكثيرة في أهل البيت) (28) قال معاصره وصديقه وحاكي سيرته وقضاياه، الحسين بن محمد الخالع، الأموي نسبا، البغدادي، (333 / 945 - 422 / 1031): (وكان الناشئ قؤوما بالكلام والجدل، يعتقد الإمامة ويناظر عليها بأجود عبارة، فاستنفد عمره في مديح أهل البيت حتى عرف بهم، وأشعاره فيهم لا تحصى كثرة) (29) وراجع قضاياه، بل وكراماته في النوح بشعره في ياقوت: 5 / 240 - 241، لسان الميزان:
4 / 239 - 240، وإذا أردت نموذجا لما كان يناح به يومذاك في المآتم، بل وإلى قرابة قرنين بعد ذلك العصر، وهو عصر الخطيب الخوارزمي، الموفق بن أحمد الحنفي (484 / 1091 - 568 / 1172)، ونموذجا أيضا لشعر الناشئ، فارجع إلى ما حكاه الخطيب الخوارزمي من شعره في مقتل الحسين عليه السلام: 2 / 145 - 147 صدرة بقوله: (وللناشئ، علي بن وصيف، مما يناح به في المآتم).
وأنا أعجب من الدكتور أنه يعمد إلى أبعد الاحتمالات من الواقع، وأقربها إلى عالم الخيال والوهم، فيختاره، ويغلب ظنه عليه، وهو أن شاعرا مغمورا له القدرة على مجاراة الشريف الرضي، ولكنه ينسى نفسه ولا يشيد بمقدرته الشخصية، بل يتقمص الشريف الرضي، ويقلده في قصيدة عدد أبياتها اثنان وستون بيتا، يوفق في ذلك، إلا في عدة أبيات!! فلم لم يسلم الدكتور بأن الرضي نفسه هو القائل، وأنه هو الذي خانه التوفيق - إن كان الدكتور مصرا على هذه

(٢٨) ابن الأثير: ٨ / ٦٨٨، ابن خلكان: ٣ / ٣٦٩، لسان الميزان: ٤ / 238.
(29) معجم الأدباء: 5 / 235.
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»
الفهرست