سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ١٥٢
(صلى الله عليه وآله) حتى قال أبو سفيان عليه اللعنة " يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم تبكين على قتلاكم فإن الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن والعداوة لمحمد " (1).
فهذه هي طبيعة الحقد السفياني على رسول الله وأصحابه، وحمله من بعده ولده معاوية هذا الحقد الذي بقي في صدر أبو سفيان يغلي ويفور ولا يبرد حتى يقضي على رسول الله وأنصاره، فأخذ يعد العدة للمواجهة الجديدة ويحشد الحشود ويقوي عزائم المشركين بإثارة النعرة القبلية عندهم للثار وطلبه فتجهزوا للقتال.
فأرسل العباس بن عبد المطلب برسالة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخبره بتجهيز جيش الكفار (2) وما أن وصل الكتاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى كتمه ولم يبينه خوفا من تسري الخبر واستغلاله من قبل المنافقين الذين لم يسرهم نصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة بدر لأنهم يحملون الحقد الدفين ويتحينون الفرص لتحقيق مآربهم الشريرة وهذا الكتمان ساعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على تجهيز الجيش وإعداد العدة من دون إثارة للإشاعات داخل المجتمع.
فجهز الجيش، وأمر أصحابه بعد أن أعلمهم بالأمر أمرهم بأن يتوجهوا إلى قتال مشركي مكة ورسم لهم الخطة التي لا يمكن أن تفشل أبدا إذا طبقت لما فيها من أنفاس إلهية، وأعطى الراية إلى المدافع الأول عن الإسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3) فحثهم بعد ذلك رسول الله على الجهاد ورغبهم فيه.
وأخذت الرجال مواقعها من القتال وصعد الرماة الذين يحمون ظهور المسلمين إلى الجبل بعد أن أوصاهم حامل الراية علي بن أبي طالب فقال لهم: " احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا " (4) فبعد كل هذه التوصيات التي سبقت المواجهة تناسى القوم كل ذلك، وتركوا مواقعهم، وانحدروا صوب المعركة، فالتف عليهم المشركون وانقلبت الموازنة فبعد أن أصبح النصر قاب قوسين أو أدنى من المسلمين، انقلبت الظروف وسيطر المشركون على المعركة وأخذ المسلمون يتراجعون، حتى تركوا رسول الله وحده مع ثلة من المؤمنين يتقدمهم أميرهم علي بن أبي طالب فصار يدافع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويدفع المشركين عنه الكتيبة بعد الكتيبة، كيف لا وهو من رسول الله وجبرائيل منهما (5)

(١) الميزان: ٤ / ١١.
(٢) تاريخ الخميس: ١ / ٤٣٠.
(٣) الثقات لابن حبان: ١ / ٢٢٤.
(٤) السيرة الحلبية: ٢ / ٢٢٢.
(٥) فرائد السمطين: ب ٥٠، ج ١ ص ٢٥٧، البداية والنهاية: ٦ / 5.
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»