أولاد الإمام محمد الباقر (ع) - السيد حسين الزرباطي - الصفحة ١٩٣
توارى عنك، واستوحش منك وانتقل عن موضعه، وعليه في ذلك مشقة. فقلت: أفعل كما أمرتني. ثم جهزني إلى الكوفة وودعته وخرجت، فلما وردت الكوفة قصدت سكة بني حي بعد العصر، فجلست خارجها بعد أن تعرفت الباب الذي نعته لي، فلما غربت الشمس إذا أنا به قد أقبل يسوق الجمل، وهو كما وصف لي أبي، لا يرفع قدما ولا بضعها إلا حرك شفتيه بذكر الله، ودموعه ترقرق في عينيه وتذرف أحيانا، فقمت فعانقته فذعر مني كما يذعر الوحش من الإنس، فقلت يا عم أنا يحيى بن الحسين بن زيد بن أخيك، فضمني إليه وبكى حتى قلت قد جاءت نفسه، ثم أناخ جمله، وجلس معي فجعل يسألني عن أهله رجلا رجلا، وامرأة امرأة، وصبيا صبيا، وأنا اشرح له أخباره وهو يبكي، ثم قال: يا بني، أنا أستقي على هذا الجمل الماء، فأصرف ما أكتسب، يعني من أجرة الجمل. إلى صاحبه، وأتقوت باقيه، وربما عاقني عائق عن استقاء الماء فأخرج إلى البرية، يعني ظهر الكوفة، فألتقط ما يرمي الناس من البقول فأتقوته. وقد تزوجت إلى هذا الرجل ابنته، وهو لا يعلم من أنا إلى وقتي هذا، فولدت مني بنتا فنشأت وبلغت، وهي أيضا لا تعرفني، ولا تدري من أنا، فقالت لي أمها: زوج ابنتك بابن فلان السقاء - لرجل من جيراننا يسقي الماء - فإنه أيسر منا وقد خطبها، والحت علي فلم أقدر على أخبارها بأن ذلك غير جائز، ولا هو بكفء لها فيشيع خبري، فجعلت تلح علي فلم أزل أستكفي الله أمرها حتى ماتت بعد أيام، فما أجدني آسي على شئ من الدنيا أساي على أنها ماتت ولم تعلم بموضعي من رسول الله (ص). قال: ثم أقسم علي أن أنصرف
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»