نور الأفهام في علم الكلام - السيد حسن الحسيني اللواساني - ج ١ - الصفحة ٦٠٠
بذلك، ثم بايعوه بإمرة المؤمنين، وشهدوا له بالولاية بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثم بعد رجوعهم إلى المدينة استشهدهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما رأوا، فقال أبو بكر ومن معه: نشهد يا رسول الله كما شهد أهل الكهف، ونؤمن كما آمنوا.
فكبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال لهم: " لا تقولوا سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون، ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، والله لئن فعلتم تهتدوا، وما على الرسول إلا البلاغ المبين، وإن لم تفعلوا تختلفوا، ومن وفى لله وفى الله له، ومن يكتم ما سمعه، فعلى عقبه ينقلب، ولن يضر الله شيئا، أفبعد الحجة والبينة والمعرفة خلف، والذي بعثني بالحق قد أمرت أن آمركم ببيعته وطاعته، فبايعوه، وأطيعوه بعدي ".
ثم تلى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [٣٥] يعني علي ابن أبي طالب. فقال القوم بأجمعهم: يا رسول الله قد بايعناه، وشهد علينا أهل الكهف.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن صدقتم فقد سقيتم ماء عذبا، وأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، أو يلبسكم شيعا، وسيكون طريق بني إسرائيل، فمن تمسك بولاية علي بن أبي طالب لقيني يوم القيامة وأنا عنه راض ".
قال سلمان (رضي الله عنه) فجعل القوم ينظر بعضهم إلى بعض، وأنزل الله في ذلك اليوم: (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب) [٣٦].
فاصفرت وجوه القوم بذلك، ونزل أيضا قوله تعالى: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور * والله يقضي بالحق) [٣٧].
ثم أخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صحيفة حمراء، وقال لهم: أكتبوا شهاداتكم فيها بما رأيتم وسمعتم، فنزل قوله عز وجل: (ستكتب شهادتهم ويسئلون) [٣٨] أي: يوم القيامة. وكان أنس في جملة القوم، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا أنس تشهد لابن عمي بها إذا استشهدك " قال: نعم يا رسول الله.
ولما ولي أبو بكر الخلافة، والناس حوله، وفيهم أنس، استشهده أمير المؤمنين (عليه السلام) عن فضيلة البساط، وعين الماء، فكتم الشهادة، وقال: قد نسيت يا علي لكبري. فقال (عليه السلام): " يا أنس إن كنت كتمتها مداهنة بعد وصية رسول الله لك، رماك الله ببياض في وجهك، ولظى في جوفك، وعمى في عينك ". فلم يقم من مقامه حتى برص، وعميت عيناه [٣٩] وما كان يقدر على الصيام قط، لأن الزاد لم يكن يبقى في جوفه، ولم يزل كذلك حتى مات بالبصرة، وكان يبكي، ويقول: أصابتني دعوة العبد الصالح، وحلف أن لا يكتم منقبة، ولا فضلا لعلي بن أبي طالب أبدا. وأعرض عنه كثير من الناس لما بلغهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إن الله تعالى لا يبتلي مؤمنا بالبرص والجذام " [٤٠].
وأما فضيلة السطل والمنديل، فقد وردت أيضا بطرق العامة والخاصة، أما من الجمهور، فقد ذكرها جمع من أكابرهم ومحدثيهم، وفيهم ابن المغازلي الشافعي [٤١] ثم صاحب كتاب المناقب الفاخرة [٤٢] ثم موفق بن أحمد [٤٣] وغيرهم بإسنادهم عن أنس بن مالك، وابن عباس (رضي الله عنه)، والمضامين متقاربة.
ومجملها: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر ذات يوم على أبي بكر وعمر أن يمضيا إلى دار علي (عليه السلام)، ويسألاه عما كان منه في ليلته، وقال (صلى الله عليه وآله) لهما: " وإني على إثركما " فانصرف الرجلان نحو داره (عليه السلام).
ثم قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال: " من يحبني ويحب أهل بيتي فليتبعني ".
قال ابن عباس (رضي الله عنه): فأتبعناه بأجمعنا، وكان ذلك بعد صلاةالعصر، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - على رواية أنس - قد أبطأ في ركوعه في الركعة الأولى، حتى ظن القوم أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سها وغفل، إلى أن رفع رأسه الشريف، وأوجز في بقية صلاته.
ولما كمل صلاته استفقد عليا (عليه السلام)، فإذا هو في آخر الصفوف، ثم لما اجتمعا سأله النبي (صلى الله عليه وآله) بمحضر القوم عن سبب تأخيره عن الصلاة.
فقال علي (عليه السلام): " إني لأستحيي يا رسول الله " فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إن الله لا يستحيي من الحق، حدث الناس بما رأيت ".
قال: " نعم، فداك أبي وأمي يا رسول الله، إني أردت الماء للطهارة، فناديت فضة ثلاثا لتأتيني بالماء، فلم تجبني، فوجهت الحسن والحسين في طلب الماء فأبطآ علي، فأتيت منزل فاطمة، فإذا بهاتف من ورائي يقول: يا أبا الحسن دونك الماء، فتوضأ به. فالتفت، فإذا أنا بسطل من ذهب فيه ماء، وعليه منديل، فتوضأت، وشربت منه، فوجدته أحلى من العسل، وأبيض من الثلج، وفيه رائحة الورد، ثم قطرت على رأسي منه قطرة، فوجدت بردها على فؤادي ".
فتبسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في وجهه، وضمه إلى صدره، وقبل ما بين عينيه، ثم قال:
" يا أبا الحسن، ألا أسرك أن السطل من الجنة، والماء والمنديل من الفردوس الأعلى، والهاتف بك جبرئيل، والذي مندلك ميكائيل، من مثلك يا علي، وجبرئيل يخدمك، والذي نفس محمد بيده لم يزل إسرافيل واضعا يده على ركبتي يأمرني بالإبطاء في الركوع حتى تلحق الصلاة معي، إن الله تعالى وملائكته يحبونك من فوق السماء ".
هذا كله ملخص ما ذكره، ورواه علماء الفريقين، فقد رواه أيضا من علماء الإمامية (قدس سرهم) ابن بابويه [٤٤] والشيخ البرسي [٤٥] وابن شهرآشوب [٤٦] وصاحب ثاقب المناقب [٤٧] وغيرهم (قدس سرهم) بشروح مفصلة.
وأما حديث سد الأبواب عن مسجدالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر من الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا باب علي (عليه السلام)، ففيه تسعة وعشرون حديثا من طرق الجمهور، وخمسة عشر حديثا من طرق الإمامية (قدس سرهم).
أما من الجمهور فقد رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، وعن غيره بطرق ثلاثة [٤٨] ثم ابن المغازلي الفقيه الشافعي بثمان طرق [٤٩] ثم الحافظ أبي زكريا، ثم محمد بن إسحاق بطريقين، ثم ابن شيرويه في كتاب الفردوس [٥٠] ثم أبو المظفر السمعاني في كتاب مناقب الصحابة [٥١] ثم أبو المؤيد موفق بن أحمد بخمسة طرق [٥٢] ثم الذهلي [٥٣] ثم إبراهيم بن محمدالحمويني في فرائد السمطين بستة [٥٤] طرق ثم صاحب المناقب الفاخرة [55].
وأما من طرق الإمامية (قدس سرهم) فقد رواه جمع كثير من العلماء والمحدثين بطرق كثيرة، وفيهم ابن بابويه [56] والمفيد [57] والطوسي [58] (قدس سرهم).
وإجمال الكل ملفقا: أنه كان لنفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبواب شارعة في المسجد، فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المسجد، وبعث إلى أبي بكر، وعمر، وعثمان، وحمزة، وعباس (رضي الله عنه)، وسائر من كان له باب إلى المسجد، وأمرهم جميعا بسد أبوابهم إلا باب علي (عليه السلام)، وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بنا لعلي (عليه السلام) بيتا في المسجد بين بيوته، فشق على بعض الصحابة ميز علي (عليه السلام)