نور الأفهام في علم الكلام - السيد حسن الحسيني اللواساني - ج ١ - الصفحة ٣٩٩
ومن قضى ديونه من النبي * في الطف يقتدى فيا للعجب
____________________
نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح * فلقد قضيت من النبي ديوني (١) أفمثل ذلك الكفور الزنديق «و» هو «من قضى ديونه» بقتلاه من المشركين في بدر وحنين، وأخذ بثارهم «من النبي» الأعظم (صلى الله عليه وآله) مجدا «في» هلاك عترته بأرض «الطف» من العراق، يزكى أو يترحم عليه أو «يقتدى» به إماما وخليفة؟
«فيا للعجب» من أقوام ينتسبون إلى الإسلام، ثم يحكمون بوثاقة ذلك الزنيم ابن العواهر ذوات الأعلام، وجواز الترحم عليه بعد ظهور كفره ووضوح شركه وهم يسمعون قوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) (٢).
وقوله سبحانه: ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما﴾ (٣).
وقوله جل وعلا: (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) (٤).
﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا * والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا﴾ (٥).
وقوله عز من قائل: ﴿ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا﴾ (6).
إلى غير ذلك من محكمات الكتاب الدالة على شدة عذاب من هو أقل وزرا وأخف ذنبا من ذلك اللعين بمراتب شتى، فكيف بمثله؟
ولقد بالغ عالم القوم ومفسرهم الكبير في الوقاحة (*) فحكم في كتابه

* وهو الغزالي، فإنه سئل عمن يصرح بلعن يزيد بن معاوية: هل يحكم بفسقه أم لا؟ وهل يجوز الترحم على يزيد، أم السكوت عنه أفضل؟ فقال: لا يجوز لعن المسلم أصلا، ومن لعن المسلم فهو الملعون، ويزيد صح إسلامه، وما صح قتله للحسين، ولا أمره، ولا رضاه بذلك - إلى أن قال -: ومع هذا لو ثبت على مسلم أنه قتل مسلما فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر، بل هو معصية، وإذا مات القاتل فربما مات بعد التوبة. إلى قوله: ولم يعرف أن قاتل الحسين مات قبل التوبة. ثم قال: فإذا لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، ومن لعنه كان فاسقا عاصيا لله عزوجل. إلى أن قال: وأما الترحم على يزيد فجائز، بل مستحب، بل داخل في قولنا: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإنه كان مؤمنا [١]. انتهى نباحه، عامله الله تعالى بعدله وحشره مع الذي دافع عنه، وهو الرجس الزنيم الكافر الذي حسبه مؤمنا بزعمه (وإن تعجب فعجب قولهم) [٢] ولكن الأعجب حكمهم بإباحة دماء الشيعة الموالين لأهل بيت العصمة والطهارة، والمتمسكين بمذهبهم، المقتفين آثارهم، المحافظين على جميع شرائع الإسلام أصولا وفروعا وآدابا وأحكاما.
كما قد صدر الحكم بذلك قريبا من عصرنا الحاضر في حلب من الشيح نوح الحنفي، فحكم بإباحة دماء الشيعة وأعراضهم وأموالهم، سواء تابوا أم لم يتوبوا، حتى قتل منهم في البلد من الرجال بيوم واحد أربعون ألفا، عدا ما نزل بهم من هتك النساء، وذبح الأطفال الأبرياء. (وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) [٣] فحشره الله مع مواليه في أسفل درك جهنم.
ولقد أنصف التفتازاني، وجرى الحق على قلمه، حيث ذكر في أواخر كتابه شرح المقاصد ما نصه: إن ما وقع بين الصحابة من المشاجرات - على الوجه المسطور في كتب التواريخ في ألسنة الثقاة - يدل بظاهره على أن بعضهم قد جاوز عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرئاسة والميل إلى اللذات والشهوات، إذ ليس كل صحابي معصوما، ولا كل من لاقى النبي بالخير موسوما. إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ذكروا لها محامل وتأويلات، أو ذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق، صونا لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة، سيما المهاجرين منهم والأنصار، المبشرين بالثواب في دار القرار. وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن الظهور بحيث لا خفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، يكاد يشهد به الجماد العجماء، وتبكي له الأرض والسماء، وتنهدم منه الجبال وتنشق له الصخور، ويبقى سوء عملهم على كر الشهور ومر الدهور، فلعنة الله على من باشر وأمر ورضي وسعى؛ ولعذاب الآخرة أشد وأبقى. فإن قيل: ومن العلماء من لم يجوز اللعن على يزيد، مع علمهم بأنه يستحق ما يربو ذلك ويزيد. قلنا: تحاميا على أن لا يرتقى إلى الأعلى فالأعلى [٤] انتهى.
(١) انظر لواعج الأشجان (للسيد محسن الأمين): ٢١٨، تذكرة الخواص ٢: ١٤٨ (على ما في هامش كتاب معالم المدرستين ٣: ١٥٥).
(٢ و ٤) التوبة: ١١٣ و ٦١.
(٣) النساء: ٩٣..
(٥) الأحزاب: ٥٧ و ٥٨.
(٦) الجن: ٢٣.
[1] إحياء العلوم 3: 125.
[2] الرعد: 5.
[3] البروج: 8.
[4] تذكرة الخواص: 229 - 237.
(٣٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة التحقيق 4
2 مقدمة المؤلف (قدس سره) 46
3 الباب الأول في التوحيد 59
4 الفصل الأول في إثبات الواجب تعالى: 60
5 تعريف الوجود 60
6 تقسيم الوجود واحتياج الممكن إلى الواجب 62
7 إثبات وجوده تعالى بالبرهان العقلي ومشاهدة الآثار 65
8 الفصل الثاني في صفاته العليا: 72
9 تقسيم الصفات 72
10 عينية صفات ذاته المقدسة معها 73
11 رجوع جميع صفاته الذاتية - جل وعلا - إلى العلم والقدرة 75
12 الصفات المنتسبة إلى أفعاله تعالى أمور انتزاعية، وليست في الحقيقة صفاتا له تعالى 76
13 المستحيل عقلا ونقلا إنما هو تبدل صفات الذات، لا الصفات 77
14 بيان الفرق بين الصنفين من صفاته تعالى 79
15 صفاته الذاتية تعالى وتقدس: 80
16 صفة قدرته واختياره تعالى 81
17 صفة علمه جل وعلا 86
18 معنا كونه تعالى مدركا، سميعا، بصيرا 105
19 صفة إراداته سبحانه 107
20 صفة تكلمه تعالى 112
21 سلب صفة الكذب عنه تعالى 126
22 سلب الصفات الزائدة عنه عز وجل 127
23 سلب الجسمية عنه سبحانه 131
24 نفي الحلول عنه جل وعلا 134
25 ارتفاع شأنه الأعلى عن عروض عارض عليه 137
26 براءة ساحة قدسه عن رؤيته بالأبصار 139
27 تنزهه تعالى عن الشريك والمثيل، وأنه لا قديم غيره 157
28 سائر صفاته العلياء 169
29 لا يصدر منه تعالى شر أصلا 173
30 الكلام في مصدر الشرور والمصائب 174
31 نقد مقالة الثنويين 184
32 عدم إمكان معرفة ذاته الأقدس 186
33 ظهوره على النفوس بحيث لا مجال لإنكاره 188
34 تحريض على المجاهدة في العلم والعمل 191
35 الفصل الثالث في أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح الواقعية: 199
36 الحسن والقبح أمران واقعيان متأصلان 199
37 رد ما لفقه الأشعري ومن تبعه من الشبهات، لإنكار تأصلهما 202
38 ترميم بعض من تبعه فاسد ما تفوه به شيخه وإمامه 206
39 الباب الثاني في العدل 209
40 وجه إفراد العدل بالذكر من بين صفاته الكمالية، وبيان معناه 210
41 إثبات صفة العدل له تعالى، وذكر التوالي الفاسدة لمقالة الأشاعرة المنكرين له 212
42 نفي العبث واللغو عن ساحة قدسه تعالى 216
43 بطلان الجبر والتفويض وصحة ما ذهب إليه الإمامية من أنه أمر بين الأمرين 221
44 ذكر أمور لفقها الأشاعرة لإثبات مذهب الجبر 223
45 الكلام في الأفعال التوليدية 244
46 قبح عقاب القاصر 249
47 مخالفة الأشاعرة في ذلك 250
48 نفي الملازمة بين إجراء أحكام الكفر على أولاد الكفار في الدنيا وعقوبتهم في الآخرة 251
49 استحالة إرادته تعالى شيئا من القبائح 253
50 امتناع إضلاله تعالى عباده عقلا وإجماعا وكتابا وسنة 255
51 إطلاق القضاء والقدر على معان شتى 260
52 ما ورد عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) في المراد منهما 261
53 حمل الأشاعرة لفظ " القضاء " على خصوص معنى الإيجاد 263
54 ثبوت الانتصاف واستيفاء حق المظلوم من الظالم 264
55 ما استحقه المظلوم من العوض غير ما استوجبه من الأجر والثواب الأخروي 267
56 بيان حقيقة التكليف، وإثبات حسنه ووجوبه 269
57 إنكار الأشاعرة لشروط التكليف 273
58 إنكارهم حسن التكليف 278
59 وجوب التكليف 283
60 اعتراض على حسن التكليف، والجواب عنه 286
61 الجواب عن شبهة نزول البلايا والمصائب من عنده تعالى 288
62 معنى اللطف ووجوبه عليه سبحانه 292
63 تنظر الشارح فيما استظهره من كلام الناظم في تفسير اللطف 294
64 الجواب عما زعمه الأشعري من كون الوعد والوعيد منه تعالى منافيين للطف 297
65 الباب الثالث في النبوة 303
66 المطلب الأول في النبوة العامة: 304
67 إثبات حسن البعثة ووجوبه 304
68 عصمة الأنبياء (عليهم السلام) 307
69 سائر صفاتهم سلام الله عليهم 313
70 تفضيل بعضهم (عليهم السلام) على بعض 317
71 حجتهم في دعواهم هي المعجزة 319
72 ما تتميز به المعجزة عن السحر والكهانة 319
73 المطلب الثاني في النبوة الخاصة: 322
74 إثبات نبوة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) 322
75 أعظم معاجزه (صلى الله عليه وآله) القرآن الكريم 324
76 مقابلة الكفار المعاندين الكتاب بالكتائب 343
77 شريعته (صلى الله عليه وآله) شريعة سمحة سهلة 347
78 نسخ شريعته (صلى الله عليه وآله) الشرائع السابقة 348
79 دفع شبهات أوردوها على النسخ 349
80 ذكر بعض معجزات النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) 353
81 المطلب الثالث فضل درجة النبوة على درجات الملائكة: 361
82 فضل النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع من في العالم 362
83 المنتخب من قصيدة الأزري (رحمه الله) في فضائل النبي الأمي (صلى الله عليه وآله) 367
84 قصيدة غراء في مكانته الكبرى (صلى الله عليه وآله) 368
85 الباب الرابع في الإمامة 375
86 المقصد الأول في لزوم كون الإمام الذي هو خليفة النبي منصوبا من الله تعالى: 376
87 نصب الإمام منه تعالى لطف متمم للطف إرسال الرسول 376
88 لزوم كون الوصي عدلا للنبي 378
89 لا يخلو الدهر من حجة 381
90 تعين الخلافة عنه (صلى الله عليه وآله) في علي أمير المؤمنين (عليه السلام) 383
91 إشارة إلى ما رواه الفريقان في فضائل علي (عليه السلام) على نحو الفهرس 384
92 ما نزل من الآيات الشريفة في شأن أهل البيت (عليهم السلام) 385
93 لزوم الاعتصام في منصب الإمامة، وهو غير ظاهر لما عدا العالم بالسرائر 387
94 إشارة إلى قصة السقيفة 389
95 لزوم نقض غرضه تعالى إن فوض الأمر إلى الناس 394
96 نشوء إمارة بني أمية من السقيفة 396
97 نقد نظرية الغزالي في لعن يزيد 399
98 إشارة إلى وقعة الطف وفظائع يزيد لعنه الله 401
99 اتفاق الفريقين على أن من حارب عليا فقد حارب الله ورسوله 402
100 هل يستأهل للإمامة مثل يزيد وأضرابه؟ 403
101 إشارة إلى فعال ثالث القوم 405
102 لا يتم أمر رشد الأمة إلا بزعامة أصحاب العصمة 411
103 خبط من يدعي الإمامة لغير المعصوم 413
104 تشبثهم بالإجماع يكشف عن عدم النص على خلافة الأول 415
105 تكلفهم في تفسير الإجماع المزعوم 416
106 اختلافهم في شرائط حجية الإجماع 419
107 تشبثهم في إثبات خلافة الأول بالقياس 420
108 عدم لياقة المنتصب الأول للخلافة 423
109 بعض مخالفات الشيخين للرسول (صلى الله عليه وآله) واتفاقهما على أذى البتول (عليها السلام) 427
110 خطبة الصديقة الطاهرة سلام الله عليها 431
111 تكذيبهما الصديقة (عليها السلام) في دعواها 437
112 ما للظالمين وولاية عهد الله؟ 441
113 نزول آية الولاية في شأن علي (عليه السلام) 442
114 دلالة آية الولاية على الحصر 445
115 ذكر مناقشات جمع من المنحرفين في دلالة الآية على الحصر، والجواب عنها 446
116 آية التبليغ وقصة الغدير 469
117 تواتر حديث الغدير 473
118 الإمامة أمر خطير لا يجوز إهماله 485
119 الشرائط اللازمة للنيابة عن الله تعالى وعن نبيه (صلى الله عليه وآله) 487
120 لا يتم اللطف إلا بنصب علي (عليه السلام) 489
121 ذكر بعض خصائص المولى (عليه السلام) 490
122 نظرة في سيرة أول الشيخين 524
123 نظرة في سيرة ثاني الشيخين 528
124 نظرة في سيرة ثالث القوم 543
125 قيمة افتخارهم بآية الغار 552
126 مفاخر الوصي (عليه السلام) وفضائله 563
127 عود إلى آية التبليغ وقصة الغدير 566
128 تحقيق ما هو المراد المتعين من معاني المولى 574
129 تهنئة عمر تكشف عن المراد من المولى 581
130 رواة تهنئة عمر 582
131 ما أنشده الشعراء يوم الغدير بمحضر النبي (صلى الله عليه وآله) 588
132 قصة حارث الفهري ورواتها 589
133 سند حديث الغدير 593
134 حديث المنزلة ورواته 595
135 معاضدات حديث المنزلة 598
136 حديث رد الشمس وتكلمها مع المولى (عليه السلام) 601
137 تكلم أصحاب الكهف معه (عليه السلام) 606
138 حديث السطل والمنديل 609
139 حديث سد الأبواب 610
140 سائر معاضدات حديث المنزلة 613
141 الجواب عن تشكيك بعض المعاندين في دلالة الحديث بعد عجزهم عن إنكار سنده 614
142 كثرة ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حصر الخلافة نصا أو كناية 627
143 لا يمر أحد على الصراط إلا بجواز من المولى (عليه السلام) 628