والأول لا يخلو من قسمين: أما أن يكون لسبب أو لا، فإن كان لغير سبب كان خارجا عن وجه الحكمة، وما يخرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعاله تعالى فلا بد أن يكون لسبب تقتضيه الحكمة، قال: وسنذكر سبب بقاء كل واحد منهم على حدته.
وأما سبب بقاء عيسى (عليه السلام) فلقوله تعالى: * (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) * (1) ولم يؤمن به منذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا أحد، فلا بد أن يكون هذا في آخر الزمان.
وأما الدجال اللعين فلقوله (صلى الله عليه وآله): " إنه خارج منكم الأعور الدجال وإن معه جبال من خبز تسير معه " إلى غير ذلك من علاماته فلا بد أن يكون ذلك في آخر الزمان لا محالة، وأما الإمام المهدي (عليه السلام) مذ غيبته عن الأبصار إلى يومنا هذا لم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما تقدمت الأخبار في ذلك فلا بد أن يكون ذلك مشروطا آخر الزمان فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الأجل المعلوم فعلى هذا اتفقت أسباب بقاء الثلاثة لصحة أمر معلوم وهما صالحان نبي وإمام، وطالح وهو الدجال، وقد تقدمت الأخبار من الصحاح بما ذكرناه في صحة بقاء الدجال مع صحة بقاء عيسى (عليه السلام)، فما المانع من بقاء المهدي مع كون بقائه باختيار الله تعالى وداخلا تحت مقدوره وهو آية الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ فعلى هذا هو أولى بالبقاء من الاثنين الآخرين لأنه إذا بقي المهدي كان إماما آخر الزمان يملأ الأرض قسطا وعدلا كما تقدمت الأخبار، فيكون بقاؤه مصلحة للمكلفين ولطفا لهم من عند الله تعالى، بخلاف الدجال فإن في بقائه مفسدة لادعائه الربوبية على ما ذكر وفتكه بالأمة ولكن في بقائه ابتلاء من الله تعالى ليعلم المطيع منهم من العاصي والمحسن من المسئ والمصلح من المفسد، وهذا هو الحكمة في بقاء الدجال.
وأما بقاء عيسى (عليه السلام) فهو سبب إيمان أهل الكتاب للآية والتصديق بنبوة سيد الأنبياء محمد خاتم الأنبياء رسول رب العالمين، ويكون تبيانا لدعوى الإمام عند أهل الإيمان ومصدقا لما دعا إليه عند أهل الطغيان بدليل صلاته خلفه ونصرته إياه ودعائه إلى الملة المحمدية التي هو إمام فيها فصار بقاء المهدي (عليه السلام) أصلا، وبقاء الاثنين فرعا على بقائه، فكيف يصح بقاء الفرعين مع عدم بقاء الأصل لهما؟ ولو صح ذلك لصح وجود المسبب من دون وجود السبب وذلك مستحيل في العقول، وإنما قلنا: إن بقاء المهدي أصل لبقاء الاثنين لأنه لا يصح وجود عيسى (عليه السلام) بانفراده غير ناصر لملة الإسلام وغير مصدق للإمام لأنه لو صح وجود عيسى (عليه السلام) لكان منفردا بدولة ودعوة وذلك يبطل دعوة الإسلام من حيث أراد أن يكون تبعا فصار متبوعا، وأراد أن يكون فرعا فكان