هذا، والذين يقولون بوجوده لا يقولون: إنه في سرداب، بل يقولون: إنه حي موجود يحل ويرتحل ويطوف في الأرض ببيوت وخيم وخدم وحشم وإبل وخيل وغير ذلك، وينقلون قصصا في ذلك وأحاديث يطول شرحها، وأنا أذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني، وحدثني بهما جماعة من ثقات إخواني.
الأولى: أنه كان في بلاد الحلة شخص يقال له إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل مات في زماني وما رأيته (ولكن حكى) وحكى لي ولده شمس الدين قال: حكى لي والدي أنه خرج فيه وهو شاب على فخذه الأيسر توثة مقدار قبضه الإنسان وكانت في كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله، وكان مقيما بهرقل، فحضر إلى الحلة يوما ودخل إلى مجلس السيد السعيد رضي الدين علي بن طاووس (رحمه الله) وشكا إليه ما يجده منها فقال:
أريد أن أداويها فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل في علاجها خطر، إن قطعت خيف أن يقطع العرق فيموت، فقال السعيد رضي الدين قدس الله روحه:
أنا متوجه إلى بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني، فصعد معه وحضر الأطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره فقال له السعيد أن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس، فلا تغرر بنفسك والله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله فقال والدي: إذا كان الأمر هكذا وقد وصلت إلى بغداد فتوجه في زيارة المشهد الشريف بسر من رأى على مشرفه السلام ثم انحدر إلى أهلي، فحسن ذلك فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجه.
قال: فدخلت المشهد وزرت الأئمة (عليهم السلام) ونزلت السرداب استغثت بالله تعالى وبالإمام (عليه السلام) وقضيت بعض الليل في السرداب وبت في المشهد إلى الخميس، ثم مضيت إلى دجلة فاغتسلت ولبست ثوبا نظيفا وملأت إبريقا كان معي وصعدت أريد المشهد فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط وكل واحد فهما متقلد بسيف، وشيخا منقبا بيده رمح والآخر مقلد بسيف وعليه فرجية ملونة فوق السيف وهو متحنك بعذبته فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعب الرمح على الأرض، ووقف الشابان عن يسار الطريق وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي، ثم سلموا عليه فرد عليهم السلام فقال له صاحب الفرجية: أنت غدا تروح إلى أهلك؟ فقال له: نعم فقال له: تقدم حتى أبصر ما يوجعك، قال: فكرهت ملامستهم وقلت