القول المبين عن وجوب مسح الرجلين - الكراجكي - الصفحة ٢٨
أولها: اتفاق أهل العربية على أن الإعراب بالمجاورة شاذ نادر ولا يقاس عليه، وإنما ورد مسموعا في مواضع لا يتعداها إلى غيرها، وما هذا سبيله فلا يجوز حمل القرآن عليه من غير ضرورة تلجئ إليه (32).
وثانيها: أن المجاورة لا يكون معها حرف عطف، وهذا ما ليس فيه بين العلماء خلاف (33)، وفي وجود واو العطف في قوله تعالى: (وأرجلكم) دلالة على بطلان دخول المجاورة فيه، وصحة العطف.
وثالثها: أن الإعراب بالجوار إنما يكون بحيث ترتفع الشبهة عن الكلام، ولا يعترض اللبس في معناه، ألا ترى أن الشبهة زائلة والعلم حاصل في قولهم: جحر ضب خرب، بأن خربا صفة للجحر دون الضب، وكذلك ما أنشد في قوله:
مزمل، وأنه من صفات الكبير دون البجاد؟!
وليس هكذا الآية، لأن الأرجل يصح أن يكون فرضها المسح، كما يصح أن يكون الغسل، فاللبس مع المجاورة فيها قائم، والعلم بالمراد منها مرتفع، فبان بما ذكرناه أن الجر فيها ليس هو بالمجاورة، والحمد لله.
فإن قيل: كيف ادعيتم أن المجاورة لا تجوز مع واو العطف، وقد قال الله

(32) اتفق كثير من أئمة اللغة على أن الجر بالمجاورة ضعيف جدا ولا يقاس عليه، وأنكر البعض أن يكون الجر بالمجاورة جائزا في كلام العرب، ومن جملة من أنكره السيرافي وابن جني، وقد تأولا خرب في قولهم: هذا جحر ضب خرب صفة للضب لا للجحر، قال السيرافي: أصله خرب الجحر منه ثم حذف الضمير للعلم به، كما تقول: مررت برجل حسن الوجه بالإضافة، والأصل:
حسن الوجه منه.
وقال ابن جني: الأصل: خرب جحره ثم أنيب المضاف إليه عن المضاف فارتفع واستتر.
وقال الفراء: لا يخفض بالجوار إلا ما استعملته العرب.
وقال أبو إسحاق النحوي: الجر بالمجاورة لا يجوز في كتاب الله عز وجل، وإنما يجوز في ضرورة الشعر.
وقال جل النحاة: إن المسموع من كلام العرب في جحر ضب خرب وغيره الرفع والجر، والرفع في كلامهم أكثر وأفصح.
انظر: مغني اللبيب 894: 2 و 896، الكتاب 436: 1، لسان العرب 593: 2، خزانة الأدب 91: 5، التفسير الكبير - للفخر الرازي - 161: 11، كنز العرفان 16: 1.
(33) خزانة الأدب 94: 5 و 444: 9، مغني اللبيب 895: 2، التفسير الكبير - للفخر الرازي - 11: 161.
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»
الفهرست