قاعدة ضمان اليد - الشيخ فضل الله النوري - الصفحة ٤
ميدان الدفاع والجهاد، دون حملة الفكر والعلم، أو قادة البيان والخطابة، أو أن العلماء هم الذين لا يهمهم شئ سوى تدارس العلم وكتابته، وإلقاء الخطابة، وبالتالي هم أمراء البيان وأصحاب الفتيا، فهم يخوضون الوعظ والإرشاد ولا يقتحمون لجج المعارك الدامية، ولا تعرفهم ساحات القتال.
هذا هو الذي يتصوره البعض من مفهومي العالم والشهيد، ولكن عندما يسبر الإنسان تاريخ العلم والشهادة ويقرأه بإمعان وهدوء، ينتبه إلى خطأ الفكرة، لأنه يجد في ثنايا التاريخ بل في متونه، مجموعة كبيرة من العلماء والمفكرين بين مقتول في المعارك الدامية، ومستشهد في ميادين الحروب الضارية، بين مصلوب على المشانق والأعواد، وبين مقيد في قعر السجون بقي فيها إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة في ظلمها، وبلين مسموم احترقت أحشاؤه وأمعاؤه إلى غير ذلك من ألوان التعذيب.
وكأن شاعرنا المبجل المفلق الفقيه الشيخ محمود البغدادي يشير بقوله إلى هذا لمعنى وفي حق هذا النمط من العلماء الشهداء حيث قال:
رجلان في دنيا الثبات * وهبان الحياة إلى الحياة رجل الصراع المر * يعصف باللئام وبالطغاة والعالم الوثاب أمينة * الشعوب الناهضات عاشا بلا ذرات وما * كالعز في سحق الذوات فكانوا يمثلون قول الإمام الوصي أمير المؤمنين - عليه أفضل صلوات المصلين -: " رهبان بالليل وأسد بالنهار " (1) فلم يحجبهم الخوض في المفاهيم السامية والمعاني الدقيقة أو عكوفهم على استنباط الأحكام من الكتاب والسنة، عن خوض عباب الحروب

١ - بحار الأنوار: ٨٣ / 207 من كلام الإمام - عليه السلام - لنوف البكالي.
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست