مع المصطفى - الدكتورة بنت الشاطئ - الصفحة ٢٠٥
هل انقطع ما بينهم وبين أم القرى، وطووا ما كان لهم فيها من ذكريات؟
كلا! بل بقيت مكة مهوى أفئدتهم كما هي مهوى أفئدة الأنصار وسائر العرب.
وما كان الفراق سهلا، ولا كان في المهاجرين من ودعها إلا وقلبه مثقل بالشجن. وكأنما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يعبر عما يجدون، حين وقف ساعة خروجه للهجرة يستوعب مكة بنظرة حزينة ويقول مودعا:
(والله إنك لأحب أرض الله إلى الله، وإنك أحب أرض الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت).
ورغم ما حفلت به الأيام الأولى في دار الهجرة، من مراسم الترحيب والإخاء وشواغل التنظيم للمجتمع الاسلامي الجديد، كانت وطأة الحنين ترهق أكثرهم فترهف حساسيتهم لتغير الجو!
وألم بكثير منهم سقم وأجهدتهم الحمى. وفي هذيان الحمى كان المطوي من أشواقهم ومكبوت حنينهم، يتنفس مفلتا من أعماق أفئدتهم، إلى ألسنتهم.
تتحدث أم المؤمنين (عائشة بنت أبي بكر) عن أول عهدهم بالمدينة فتقول:
(كان أبو بكر وعامر بن فهيرة وبلال، في بيت واحد.
فأصابتهم الحمى فدخلت عليهم أعودهم، وذلك قبل أن يضرب
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست