نشأة التشيع والشيعة - السيد محمد باقر الصدر - الصفحة ٣٠
الأخير رقما واحدا يكفي لنفي الطريق الأول، وللتدليل على أن القائد الأعظم، نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) كان أبعد ما يكون من فرضية الموقف السلبي تجاه مستقبل الدعوة، لعدم الشعور بالخطر، أو لعدم الاهتمام بشأنه، وهذا الرقم أجمعت صحاح المسلمين جميعا - سنة وشيعة - على نقله، وهو أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لما حضرته الوفاة، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي (صلى الله عليه وآله): " ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " (24) فإن هذه المحاولة من القائد الكريم، المتفق على نقلها وصحتها تدل بكل وضوح على أنه كان يفكر في أخطار المستقبل، ويدرك بعمق ضرورة التخطيط لتحصين الأمة من الانحراف، وحماية الدعوة من التميع والانهيار، فليس إذن من الممكن افتراض الموقف السلبي (25) من النبي (صلى الله عليه وآله) بحال من لأحوال.

(٢٤) راجع: صحيح البخاري / ج ١ / ص ٣٧ كتاب العلم ج ٨ / ص ٦١ كتاب الاعتصام (الشهيد) وراجع: صحيح مسلم / ج ٥ / ص ٧٦ باب الوصية / مطبعة محمد علي صبيح القاهرة: (الشهيد) مسند الإمام أحمد / ج ١ / ص ٣٥٥، وراجع الطبقات الكبرى / لابن سعد / ج ٢ / ص ٢٤٢ / ٢٤٤ (الشهيد).
(٢٥) إن كل مسلم يؤمن بعظمة شخصية الرسول القائد (صلى الله عليه وآله)، فضلا عن إيمانه بأنه نبي رسول، يقتضيه ذلك الايمان استبعاد مثل هذه الفرضية مطلقا، بل يلزم القول بامتناعها في حقه عليه الصلاة والسلام، وذلك لسببين على الأقل: أولهما: إنه خلاف المعهود من سيرته صلوات الله وسلامه عليه بإجماع الملة، تلك السيرة المشرقة الزاخرة بالعمل والجهاد المتواصل بلا انقطاع من أجل التغيير والبناء وانقاذ الأمة. وثانيهما: إنه مخالف لما تواتر عنه صلوات الله وسلامه عليه، ولما ربي الأمة عليه، من الاهتمام بالأمور حتى قال: " من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم " أصول الكافي / ج 2 / ص 131. ولذا يكون اهماله الاهتمام بمستقبل الدعوة، ومستقبل الأمة يعني الاخلال الصريح بمصداقيته وعهوده.
(٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة