النعل بالنعل والقذة بالقذة. وقد تقدم ان النبي صلى الله عليه وآله كان شديد الحرص على تربية علي والاشفاق عليه مهتما بتعليمه وارشاده إلى الفضائل، وكان في حجره من صغره ملازما له متأدبا بآدابه، مقتفيا أفعاله آخذا بطرائقه جاريا على سننه متشبها به صلى الله عليه وآله وزوجه ابنته عليها السلام فكان يدخل عليه في غالب أوقاته وفي أوقات لم يكن غيره يدخل عليه فيها.
وقد نقلت من مسند أحمد بن حنبل قال علي: كانت لي من رسول الله صلى الله عليه وآله منزلة لم تكن لأحد من الخلائق، أنى كنت آتيه كل سحرة. وفي حديث آخر فاستأذن عليه، فان كان في صلاة سبح، وان كان في غير صلاة أذن لي، فإذا كان المربي المؤدب رسول الله صلى الله عليه وآله وهو أكمل العالمين وأعلاهم في المعارف وأرفعهم درجات مجد ومنازل شرف، وكان التلميذ المؤدب عليا عليه السلام، وأضيف إلى استعداده وفطنته وذكائه نظر النبي صلى الله عليه وآله إليه، وتفرسه فيه قبول ما يلقى إليه مع طول ملازمته له، فلا جرم انه يبلغ أقصى غايات الكمال، وينال نهايات معارج المعرفة، فتمكن من قول: سلوني قبل أن تفقدوني، وسلوني عن طرق السماوات فاني أعرف بها من طرق الأرض.
وقال عليه السلام مرة: لو شئت لأوقرت بعيرا من تفسير بسم الله الرحمن الرحيم.
وقال مرة: لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والله ما من آية نزلت في بر أو بحر، ولا سهل ولا جبل، ولا ليل ولا نهار، إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، وفي أي شئ نزلت، وفي هذا القول إشارة إلى علمه صلى الله عليه وآله بهذه الكتب المنزلة.