الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١٤٨
إلى اليهود أقرب من أن يرجع إلى الإيرانيين. والدليل على هذا ما سأحاول هنا إيراده (1) بطريقة عارضة دون أن أعير المسألة من الأهمية أكبر مما تستحق.
كان القدماء من أنصار علي يعدونه في مرتبة مساوية لسائر الخلفاء الراشدين فكان يسلك مع أبي بكر وعمر وكذلك مع عثمان - طالما كان عادلا في خلافته - في سلك واحد وكان يوضع في مقابل الأمويين المغتصبين للخلافة بوصفه استمرارا للخلافة الشرعية وحقه في الخلافة ناشئ عن أنه كان من أفاضل الصحابة وأنهم وضعوه في القمة وتلقى البيعة من أهل المدينة ولم ينشأ هذا الحق - أو على الأقل لم ينشأ مباشرة - عن كونه من آل بيت الرسول (2). ومع ذلك فيبدو أن آل البيت أنفسهم قد أعدوا حق ميراث الخلافة عن رسول الله منذ البداية وبعد وفاة علي كانت المعارضة ضد الأمويين تنظر إلى أبناء علي أنهم المطالبون الشرعيون للخلافة. ولكن المسألة هنا كانت مقصورة على دعوى الخلافة ولابد أن نميز بين هذا وبين دعوى النبوة. وزعم أن النبوة لم تنته بمحمد بل استمرت في علي وبنيه - كان هذا الزعم هو الخطوة الأخيرة.
إن الفكرة القائلة بأن النبي ملك يمثل سلطان الله على الأرض قد انتقلت من اليهودية إلى الاسلام (3). ولكن الاسلام السني يقول: إن محمدا خاتم النبيين وبعد وفاته حلت محله الشريعة وهي أثر مجرد غير مشخص ومعوض عنه أقل قيمة بكثير جدا. فكان ذلك نقصا ملموسا فمن هنا تبدأ نظريات الشيعة. وكان المبدأ الأساسي الذي بدأ منه مذهبهم هو: أن النبوة وهي المعرض الشخصي الحي للسلطة الإلهية تنتسب بالضرورة إلى الخلافة وتستمر تحيا فيها (الطبري

(1) سنعتمد هنا على ما ورد في الطبري (1 / 2942) على مذهب ابن سبأ وعلى أشعار شعراء الشيعة الأقدمين: كثير والسيد الحيري في كتاب (الأغاني). وأما ما ورد في كتب تاريخ العقائد (الملل والنحل) المتأخرة فلا تختلف جوهريا عن هذا وكل ما فيها هو التمييز بين السبئية والكيسانية والمختارية إلخ.... وهي تمييزات لا مبرر لها ولا خلاف إلا في الأسماء.
(2) أهل (الكساء) - (الأغاني 7 / 7 س 7).
(3) راجع: (مقدمة لتاريخ إسرائيل) Prolegomena Zur Geschichle Israels (سنة 1899) (ص 226 256 وما يليها).
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»
الفهرست