التوابون - الدكتور إبراهيم بيضون - الصفحة ٢٣
هذا وقد استمرت عادة تعليق صحف المعاهدات والوصايا وغيرها في الكعبة. ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما فعله هارون الرشيد حين قام بتولية أولاده العهد من بعده.
ان أمر الالتزام بشرعية الأوامر المعلقة في جوف الكعبة مرتبط بقدسيتها، حيث اعتبرها القرشيون بيت الله. وهكذا فالامر المعلق في جوفها تصبح له صفات إلهية، وهو أمر في غاية الأهمية، وقد تطور بعد ذلك تطورا كبيرا.
وبعد قيام الاسلام، ومع بداية التبشير به لم يحدث تغيير جوهري فيما كان سائدا في مكة، ذلك أن النبي لم يمارس أية سلطات على الذين آمنوا برسالته، ولكنه مع ذلك فقد غدا مسموع الكلمة، محترما ومتبع الرأي بين أتباعه.
وقد تبدل هذا الحال كليا بانقضاء الفترة المكية وهجرة المسلمين إلى المدينة، حين عمل النبي الذي أصبح بالإضافة إلى صفة النبوة يتحلى بصفة زعيم أمة وحاكمها المطلق النابعة أحكامه من إرادة الله، عمل هذا النبي على انشاء أمة جديدة ذات تقاليد وقواعد جديدة. ولأول مرة في حياة مجتمع شمالي شبه الجزيرة العربية، لا بل في مجتمع الجزيرة كله، قامت تجربة جديدة للحكم، مركزية السلطة،
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»