التوابون - الدكتور إبراهيم بيضون - الصفحة ٢٢
أي نوع من أنواع القوة المسلحة، أو يوجد فيها جماعات كهنة لهم نفوذ وسلطات، بل كان زعماؤها يجتمعون أحيانا للتداول في القضايا والمشاكل، وكان مكان اجتماعهم يدعى (دار الندوة). غير أن القرارات التي كانت تتخذ في هذه الأخيرة، لم يكن لها صفة الالزام، وانما كان الاخذ بها اختياريا وفرديا... وكان اجماع زعماء المدينة على أمر من الأمور متعذرا في كثير من الأحيان، وكثيرا ما كانت تنقسم المدينة في مواقفها من القضايا وتعقد التحالفات المتضادة داخلها، وفي النهاية يكون النصر غالبا للحلف الأقوى. وفي كتب الاخبار والسيرة أحاديث طويلة حول بعض القضايا التي واجهها مجتمع مكة وحول أحلاف هذا المجتمع، ويستفاد من بعض الاخبار انه وجد لدى المكيين مفهوم واحد للشرعية الواجب الالتزام بأوامرها مهما كانت، وهذا المفهوم ارتبط بالكعبة التي كانت موضع اجلالهم وقداستهم. فعندما كان يجمع غالبية الزعماء المكيون على أمر من الأمور كانوا يدونون ما أجمعوا عليه في صحيفة ويقومون بتعليقها في جوف الكعبة، وهنا يأخذ الامر صفة الشرعية. ولدينا مثال واضح حول هذا: ما عمله المكيون حين أعلنوا صحيفة مقاطعة بني هاشم التي اضطرت هؤلاء الالتزام بها، فتركوا مكة وأقاموا محصورين في شعب أبي طالب، وعاشوا في ظل المقاطعة حتى مزقت الصحيفة (1).

(1) سهيل زكار: التاريخ عند العرب، 95 - 115.
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»