التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٣٢
التاريخ جذور المشكل الإنساني، ويتقصى جهود الإنسانية الدائبة في سبيل حل هذا المشكل بنحو يعزز قدرة الإنسان على التكامل الروحي - المادي، كما يعزز قدرته على تأمين قدر ما من السعادة مع الحفاظ على الطهارة الإنسانية.
وقد كان الإمام علي يتعامل مع التاريخ بهذه الروح ومن خلال هذه النظرة، ومن ثم فلم يتوقف عند جزئيات الوقائع إلا بمقدار ما تكون شواهدا ورموزا، وإنما تناول المسألة التاريخية بنظرة كلية شاملة، ومن هنا فقلما نرى الإمام في خطبه وكتبه يتحدث عن وقائع وحوادث جزئية، وإنما يغلب على تناوله للمسألة التاريخية طابع الشمول والعمومية.
والإمام ليس مؤرخا، ولذا فليس من المتوقع أن نجد عنده نظرة المؤرخ وأسلوب في سرد الوقائع وتحليلها والحكم عليها، وإنما هو رجل دولة حاكم، ورجل عقيدة ورسالة فيها كل حياته، فهو يتعامل مع التاريخ باعتباره حركة تكون شخصية الإنسان الحاضرة والمستقبلة، ولذا فهي تشغل حيزا هاما وعلى درجة كبيرة من الخطورة في عملية التربية والتحرك السياسي، وهذا ما يجعل رجل رسالة وحاكما كالإمام علي عليه السلام حريصا على أن يدخل في وعي أمته التي يحمل مسؤولية قيادتها ومصيرها.... إلى التاريخ سليمة تجعله قوة بانية لا مخربة ولا محرفة.
* ونحن نعرف عناية الإمام علي (ع) الفائقة بالتاريخ واهتمامه البالغ بشأنه من نص ورد في وصيته التي وجهها إلى ابنه الإمام الحسن عليه السلام كتبها إليه بحاضرين 1 عند انصرافه من صفين، قال فيه:
1 - قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 16 / 52 - أما قوله كتبها إليه بحاضرين فالذي كنا نقرؤه قديما، كتبها إليه بالحاضرين، على صيغة التثنية، يعني حاضر حلب وحاضر قنسرين، وهي الأرباض والضواحي المحيطة بهذه البلاد، ثم _ _ _ بعد ذلك على جماعة من الشيوخ بغير لام، ولم يفسروه، ومنهم من يذكره بصيغة الجمع لا بصيغة التثنية، ومنهم من يقول: خناصرين يظنونه تثنية خناصرة أو جمعها. وقد طلبت هذه الكلمة في الكتب المصنفة سيما في البلاد والأرضين فلم أجدها، لعلي أظفر بها فيما بعد فألحقها في هذا الموضع.
قال الشيخ محمد عبده في شرحه: حاضرين: اسم بلدة بنواحي صفين.
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 25 26 27 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»