عرفه الإنسان في التقدم المادي والتنظيم.
العالم الثاني - (الاتحاد السوفياتي وأوربا الشرقية، والصين أخيرا) يلي العالم الأول في الرتبة من هذه الحيثية ويجهد للحاق به في شتى الميادين.
العالم الثالث - (آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية)، ويسمى هذا القسم من البشرية (العالم المتخلف أو العالم النامي).
وهكذا يحمل العالم الثالث وصمة التخلف وفقا لهذا المفهوم، وفقا لمقاييس التقدم المبنية على هذا المفهوم - هذه المقاييس التي فرضها فكر الحضارة الحديثة وسطوتها، اندفعت شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية في تيار هذه النظرة إلى معنى التقدم البشري لتحقق لنفسها اللحاق بالعالم الأول الذي يحول بينها وبين ذلك مستغلا تفوقه الهائل وضعفها الكبير في نهب ثرواتها وبلبلة حياتها السياسية، ولكنها في سبيل التخلص من وصمة التخلف العالقة بها وفقا لهذا المفهوم تمضي قدما في ما تحسب أنه يضعها على طريق التقدم مضحية في سبيل ذلك بالكثير من قيمها وأخلاقها متخلية عن أصالتها، طامحة إلى أن يكون إنسانها نسخة دقيقة من إنسان العالم الأول.
* ولكن هذا المفهوم عن التقدم البشري ناقص ومبتور لأنه يمثل جانبا واحدا من الوضعية الإنسانية، وقد كان من أكبر الأخطاء الفكرية التي وقع فيها إنسان الحضارة الحديثة نتيجة لخطأ نظرته إلى التاريخ وإلى المستقبل، فإن الوضعية الأخلاقية للإنسان ذات صلة وثيقة وأساسية بكونه متقدما أو متخلفا. وهذه حقيقة وجدت سبيلها أخيرا إلى الإدراك في داخل الحضارة الحديثة، وهذا، على الرغم من أنه لا يزال في نطاق ضيق نسبيا، باعث على الأمل.
لقد بدأت ترتفع، هنا وهناك، داخل الحضارة الحديثة، أصوات بعض ذوي العقول النيرة والبصائر النافذة من النخبة في العالم الغربي من علماء وشعراء ومفكرين محذرة من الانسياق وراء هذه النظرة الخاطئة، محذرة من عواقبها المهلكة، داعية إلى