التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٢٣
تسبب للإنسانية مزيدا من التخلف على كل صعيد، ومزيدا من المآسي الفردية والجماعية.
وكذلك الحال حين يحكم الإنسان على ماضيه بأنه مجموعة أخطاء قاد أسلافه إليها الجهل وسوء الفهم وسوء التوجيه، ولذا فلا شئ من هذا الماضي يصلح للحاضر وللمستقبل. وأنه كان ضالا فاهتدى، وأنه امتلك الحقيقة التاريخية وكانت ضائعة منه بسبب هذا الذي غله وشل قواه.
إن الإنسان باتخاذه لهذا الموقف يحكم على جميع تجارب الماضي بالفشل والبطلان، وهو حكم لا شك في أنه جائر عن قصد السبيل، لأن الحقيقة هي أن في تجارب هذا الماضي الكثير الكثير من الصواب الذي تكبدت الإنسانية أنواعا شتى من الآلام والتضحيات وتحملت كثيرا من المصاعب في سبيل الوصول إليه والاهتداء إلى معالمه.
كلا هذين الموقفين يؤدي بالإنسان إلى أن ينظر إلى نفسه وعقله في حاضره و مؤسساته السياسية وغيرها وسائر نظمه بثقة مطلقة لا مبرر لها. ولنقل إنه في هذه الحالة التي يرفض فيها جميع الماضي أو في تلك الحالة التي يخال فيها حركة التاريخ دائما على صواب - ينظر إلى نفسه وموقفه بغرور أجوف ولعل هؤلاء وأولئك ممن عناهم الله تعالى بقوله:
قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا. ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا.
إن هذا الغرور الأجوف، وتلك الثقة المطلقة التي لا مبرر لها تؤديان بالإنسان إلى الوقوع في أخطاء كبرى تعرض المجتمعات بل وجانبا كبيرا من الإنسانية لكوارث عظمى ومتنوعة لم يعرف لها التاريخ مثيلا.
1 - سورة الكهف (رقم 18 مكية) الآيات: 103 - 106. والآيات تومئ إلى النظرة التي تعتبر حركة التاريخ خاضعة للاعتبارات المادية وحدها، والنظرة التي تقيس التقدم البشري بالمقياس المادي وحده.
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 19 21 22 23 24 25 26 27 30 ... » »»