التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٣١
الإمام في مواجهة التاريخ كان أمير المؤمنين علي عليه السلام، كما يخبرنا هو، وكما سنرى خلال هذه الدراسة يوجه عناية فائقة إلى التاريخ، عناية جعلت من التاريخ عنصرا بارزا فيما وصل إلينا من كلامه في مختلف الموضوعات التي كانت تثير اهتمامه.
وعناية الإمام بالتاريخ ليست عناية القاص والباحث عن القصص. كما أنها ليست عناية السياسي الباحث عن الحيل السياسية وأساليب التمويه التي يعالج بها تذمر الشعب، وإنما هي عناية رجل الرسالة والعقيدة، والقائد الحضاري والمفكر المستقبلي.
إن القاص يبحث ليجد في تاريخ الماضين وآثارهم مادة للتسلية والإثارة. والسياسي يبحث ليجد في التاريخ أساليب يستعين بها في عمله السياسي اليومي في مواجهة المآزق، أو يستعين بها في وضع الخطط الآنية المحدودة 1.
والمؤرخ يقدم لهذا وذاك المادة التاريخية التي يجدان فيها حاجتهما.
أما الرائد الحضاري، رجل الرسالة والعقيدة ورجل الدولة فهو يبحث ليجد في

(1) قال المسعودي في تقريره عن النشاط اليومي لمعاوية بن أبي سفيان... ويستمر إلى ثلث الليل في أخبار العرب وأيامها والعجم وملوكها وسياستها لرعيتها، وسير ملوك الأمم وحروبها ومكايدها. وسياستها لرعيتها وغير ذلك من أخبار الأمم السالفة... ثم يقوم فيقعد فيحضر الدفاتر فيها سير الملوك وأخبارها، والحروب والمكايد. فيقرأ ذلك عليه غلمان له مرتبون وقد وكلوا بحفظها وقراءتها، فتمر بسمعه كل ليلة جمل من الأخبار والسير والآثار وأنواع السياسات... - مروج... (بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد) - مطبعة السعادة - الطبعة الثانية (1367 هجري - 1948 م) الجزء الثالث - ص 40.
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»