أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم، قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره.
وكان قبل ذلك قد وجه الإمام الحسن (ع) في هذه الوصية إلى تعرف التاريخ الماضي للعبرة والموعظة، قال:
أحي قلبك بالموعظة... واعرض عليه أخبار الماضين، وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسر في ديارهم وآثارهم فانظر فيما فعلوا، وعما انتقلوا، وأين حلوا ونزلوا. فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة، وحلوا ديار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم.
وهذا النص يحملنا على الإعتقاد بأن الإمام عليه السلام تحدث كثيرا عن المسألة التاريخية في توجيهاته السياسية وتربيته الفكرية لمجتمعه، ولرجال إدارته، ولخواص أصحابه.
ولكن النصوص السياسية والفكرية التي اشتمل عليها نهج البلاغة مما يدخل فيه العنصر التاريخي قليلة جدا، وإن كانت النصوص الوعظية التي بنيت على الملاحظة التاريخية كثيرة نسيبا.
ولا نستطيع أن نفسر نقص النصوص السياسية والفكرية - التاريخية إلا بضياع هذه النصوص لنسيان الرواة أو لإهمال الشريف الرضي لما وصل إليه منها، لأنه جعل منهجه في تأليف كتاب نهج البلاغة: اختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحكم والأدب 1. وقد أدى هذا المنهج بطبيعة الحال إلى إهمال الكثير من النصوص السياسية والفكرية لأنه لم يكن في الذروة من الفصاحة والبلاغة.
ومن المؤكد أن الكثير من كلام أمير المؤمنين في هذا الباب وغيره لم يصل إلى الشريف الرضي كما اعترف هو بذلك في قوله:
... ولا أدعي - مع ذلك - أني أحيط بأقطار جميع كلام عليه السلام حتى لا يشذ عني منه شاذ، ولا يند ناد، بل لا أبعد أن يكون القاصر عني فوق الواقع إلي،