ولو رامها أحد غيره * لزلزلت الأرض زلزالها ولو لم تطعه بنات القلوب * لما قبل الله اعمالها وان الخليفة من بغض لا * اليه ليبغض من قالها قال أشجع فقال لي بشار وقد اهتز طربا ويحك يا أخا سليم أترى الخليفة لم يطر عن فرشه طربا لما يأتي به هذا الكوفي.
ومروان بن أبي حفصة وهو من مشاهير شعراء عصره ومقدم عند بني العباس بانحرافه عن الطالبيين يمدح الخليفة العباسي بقصيدة طويلة ويمدحه أبو العتاهية وهو شيعي زيدي ببيتين فيسوى بينهما في العطاء ففي تاريخ بغداد بسنده عن العتبي قال رئي مروان بن أبي حفصة واقفا بباب الجسر كئيبا آسفا ينكت بسوطه في معرفة دابته فقيل له يا أبا السمط ما الذي نراه بك قال أخبركم بالعجب مدحت أمير المؤمنين فوصفت له ناقتي من خطامها إلى خفيها ووصفت الفيافي من اليمامة إلى بابه أرضا أرضا ورملة رملة حتى إذا أشفيت منه على غنى الدهر جاء ابن بياعة النخاخير يعني أبا العتاهية فأنشده بيتين فضعضع بهما شعري وسواه في الجائزة بي وهما:
ان المطايا تشتكيك لأنها * تطوي إليك سباسبا ورمالا فإذا رحلن بنا رحلن مخفة * وإذا رجعن بنا رجعن ثقالا ومسلم بن الوليد على تقدمه يقول له وقد سمع بعض شعره: لا والله يا أبا إسحاق لا يبالي من أحسن ان يقول مثل هذا ما فاته من الدنيا رواه في الأغاني. وأبو تمام الطائي ومكانته في الشعر والأدب لا تلحق يقول عن بعض شعره انه ما شركه فيه أحد. ففي الأغاني بسنده قال أبو تمام الطائي: لأبي العتاهية خمسة ابيات ما شركه فيها أحد ولا قدر على مثلها متقدم ولا متأخر وهي قوله:
الناس في غفلاتهم * ورحى المنية تطحن وقوله لأحمد بن يوسف:
ألم تر ان الفقر يرجى له الغنى * وأن الفتى يخشى عليه من الفقر وقوله في موسى الهادي:
ولما استقلوا بأثقالهم * وقد أزمعوا للذي أزمعوا فزنت التفاتي بآثارهم * واتبعتهم مقلة تدمع وقوله:
هب الدنيا تصير إليك عفوا أليس مصير ذاك إلى زوال وفي تاريخ بغداد بسنده عن أبي تمام قال: تكتب من شعر أبي العتاهية خمسة أبيات فان أحدا لم يشركه فيها ولا تهيا لأحد مثلها وذكر الخمسة المتقدمة. وابن الاعرابي مع علو كعبه في معرفة الشعر ونقده يقول ما رأيت شاعرا قط اطبع ولا أقدر على بيت منه وما أحسب مذهبه الا ضربا من السحر. ففي الأغاني حدث ابن الاعرابي ان الرشيد حم فصار أبو العتاهية إلى الفضل بن الربيع برقعة فيها ابيات في حق الرشيد فوصل اليه بذلك مال جليل فقال رجل بالمجلس لابن الاعرابي ما هذا الشعر بمستحق لما قلت لأنه شعر ضعيف فقال ابن الاعرابي وكان أحد الناس: الضعيف والله عقلك ألأبي العتاهية تقول انه ضعيف الشعر فوالله ما رأيت شاعرا قط اطبع ولا أقدر على بيت منه وما أحسب مذهبه الا ضربا من السحر ثم انشد له:
قطعت منك حبائل الآمال * وحططت عن ظهر المطي رحالي ووجدت برد الياس بين جوانحي * فأرحت من حل ومن ترحال يا أيها البطر الذي هو من غد * في قبره متمزق الأوصال حذف المنى عند المشمر في الهدى * وأرى مناك طويلة الأذيال حيل ابن آدم في الأمور كثيرة * والموت يقطع حيلة المحتال قست السؤال فكان أعظم قيمة * من كل عارفة جرت بسؤال فإذا ابتليت ببذل وجهك سائلا * فابذله للمتكرم المفضل وإذا خشيت تعذرا في بلدة * فاشدد يديك بعاجل الترحال واصبر على غير الزمان فإنما * فرج الشدائد مثل حل عقال ثم قال للرجل هل تعرف أحدا يحسن ان يقول مثل هذا الشعر فقال له الرجل يا أبا عبد الله جعلني الله فداءك اني لم أردد عليك ما قلت ولكن الزهد مذهب أبي العتاهية وشعره في المديح ليس كشعره في الزهد فقال أفليس هو الذي يقول في المديح:
وهارون ماء المزن يشفى به الصدا إذا ما الصدي بالريق غصت حناجره وأوسط بيت في قريش لبيته * وأول عز في قريش وآخره وزحف له تحكي البروق سيوفه * وتحكي الرعود القاصفات حوافره إذا حميت شمس النهار تضاحكت * إلى الشمس فيه بيضه ومغافره إذا نكب الاسلام يوما بنكبة * فهارون من بين البرية ثائره ومن ذا يفوت الموت والموت مدرك * كذا لم يفت هارون ضد ينافره فتخلص الرجل من شر ابن الاعرابي بان قال له القول كما قلت وما كنت سمعت له مثل هذين الشعرين وكتبهما عنه. هذا مع أن صاحب الأغاني روى أن ابن الاعرابي كان يعيب أبا العتاهية ويثلبه. فإذا كان هذا قوله فيه وهو يعيبه ويثلبه كان أقرب إلى الصحة.
والفراء يحيى بن زياد الأقطع من مشاهير علماء العربية يعترف بأنه أشعر أهل عصره. ففي الأغاني بسنده عن يحيى بن زياد الفراء قال لي جعفر بن يحيى يا أبا زكريا أزعم ان أبا العتاهية أشعر أهل هذا العصر فقلت هو والله أشعرهم عندي. والورد بن زيد الخزاعي أخو دعبل وهو من معاريف شعراء ذلك العصر يقول إنه أشعر الإنس والجن. ففي الأغاني بسنده قيل لورد بن زيد بن رزين الشاعر من أشعر أهل زمانه؟ قال: أبو نواس قلت فما تقول في أبي العتاهية فقال أبو العتاهية أشعر الإنس والجن.
وهذا سلم الخاسر ومكانته في الشعر غير مجهولة يقول إنه أشعر الجن والإنس ففي الأغاني بسنده ان موسى الشهرزوري قال لسلم الخاسر أنشدني لنفسك قال ولكن أنشدك لأشعر الجن والإنس لأبي العتاهية ثم أنشدني قوله:
سكن يبقى له سكن * ما بهذا يؤذن الزمن نحن في دار يخبرنا * ببلاها ناطق لسن دار سوء لم يدم فرح * لامرئ فيها ولا حزن في سبيل الله أنفسنا * كلنا بالموت مرتهن كل نفس عند ميتتها * حظها من مالها الكفن ان مال المرء ليس له * منه الا ذكره الحسن وعن رجاء بن مسلمة قلت لسلم الخاسر من أشعر الناس فقال إن شئت أخبرتك بأشعر الجن والإنس فقلت انما أسألك عن الإنس فان زدتني الجن فقد أحسنت فقال أشعرهم الذي يقول: سكن يبقى له سكن