رفاعة العنزي فاعتقه فتولى عنزة انتهى ومن ذلك يعلم أنه من عين التمر بالعراق لا بالحجاز كما مر.
كنيته ولقبه في الأغاني كنيته أبو إسحاق وأبو العتاهية لقب غلب عليه. وفيه بسنده عن ميمون بن هارون عن بعض مشايخه انه كني بأبي العتاهية لأنه كان يحب الشهرة والمجون والتعته وبسنده عن محمد بن موسى بن حماد أن المهدي قال له يوما أنت انسان متحذلق معته فاستوت له من ذلك كنية غلبت عليه دون اسمه وكنيته ويقال للرجل المتحذلق عتاهية ويقال أبو عتاهية بدون ال انتهى وفي تاريخ بغداد أبو العتاهية لقب لقب به لاضطراب كان فيه وقيل بل كان يحب المجون والخلاعة فكني لعتوه لعتوهه أبا العتاهية.
صفته في الأغاني بسنده عن محمد بن موسى كان أبو العتاهية نظيفا ابيض اللون اسود الشعر له وفرة جعدة وهياة حسنة ولباقة وحصافة وفي موضع آخر منه عن النوفلي أبو العتاهية كان مقبحا طويل الوجه كأنه ينظر في سيف.
أصله ومنشؤه قد عرفت ان أصله من عين التمر بالعراق وفي الأغاني منشؤه بالكوفة ثم روى عن ميمون عن بعض مشايخه قال وبلده الكوفة وبلد آبائه وبها مولده ومنشؤه وباديته وفي تاريخ بغداد: أصله من عين التمر ومنشؤه الكوفة ثم سكن بغداد.
أقوال العلماء فيه في الأغاني قال الشعر فبرع فيه وتقدم ويقال أطبع الناس بشار والسيد وأبو العتاهية وما قدر أحد على جمع شعر هؤلاء الثلاثة لكثرته وكان غزير البحر لطيف المعاني سهل الألفاظ كثير الافتنان قليل التكلف الا انه كثير الساقط المرذول مع ذلك وأكثر شعره في الزهد والأمثال وله أوزان ظريفة قالها مما لم يتقدمه الأوائل فيها انتهى وفي شذرات الذهب: هو من مقدمي المولدين ومن طبقة بشار بن برد وأبي نواس انتهى وفي تاريخ بغداد: هو أحد من سار قوله وانتشر شعره وشاع ذكره ويقال ان أحدا لم يجتمع له ديوانه بكماله لعظمه وكان يقول في الغزل والمديح والهجاء قديما ثم تنسك وعدل عن ذلك إلى الشعر في الزهد وطريقة الوعظ فأحسن القول فيه وجود وأربى على كل من ذهب ذلك المذهب وأكثر شعره حكم وأمثال وكان سهل القول قريب المأخذ بعيدا من التكلف متقدما في الطبع انتهى.
مكانته في الشعر كان أبو العتاهية يفضل على شعراء عصره وبعضهم يقول إنه أشعر الناس هذا وفي عصره من فحول الشعراء مثل أبي نواس وبشار والعتابي والنمري ومسلم بن الوليد وأبي الشيص ومروان بن أبي حفصة والسيد الحميري وأشجع السلمي ودعبل الخزاعي ومحمد بن أمية ومحمد بن مناذر وأبي المشمقمق وغيرهم وفي الأغاني يقال إن أكثر الناس شعرا في الجاهلية والاسلام ثلاثة بشار وأبو العتاهية والسيد فإنه لا يعلم أن أحدا قدر على تحصيل شعر أحد منهم أجمع انتهى وكان أبو نواس مع شهرته وعلو مكانه في الشعر يعترف له بأنه أشعر منه ويقول عن شعره أفسحر هذا ففي الأغاني بسنده انه قيل لأبي نواس وقد أنشد شعرا: أنت أشعر الناس فقال أما والشيخ حي يعني أبا العتاهية فلا. وفيه بسنده انه قرئ بعض شعره على أبي نواس فقال قد والله أجاد ولم يقل فيه سوءا. وفي تاريخ بغداد بسنده عن ابن أبي شيخ قال بكرت إلى سكة ابن نيبخت فرأيت أبا نواس فجلست اليه فمر بنا أبو العتاهية على حمار فسلم ثم أوما برأسه إلى أبي نواس وأنشأ يقول:
لا ترقدن لعينك السهر * وانظر إلى ما تصنع الغير انظر إلى غير مصرفة * ان كان ينفع عينك النظر وإذا سالت فلم تجد أحدا * فسل الزمان فعنده الخبر أنت الذي لا شئ تملكه * وأحق منك بما لك القدر فنظر إلي أبو نواس ثم قال أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون. وفيه بسنده ان أبا نواس كان جالسا في بعض طرق بغداد والناس يمرون به وهو ممدود الرجل بين بني هاشم والقواد ووجوه أهل بغداد فكل يسلم عليه فلا يقوم إلى أحد ولا يقبض رجله إذا اقبل شيخ على حمار فوثب اليه أبو نواس وامسك الشيخ عليه حماره واعتنقا وجعل أبو نواس يحادثه وهو قائم على رجليه حتى رئي أبو نواس يرفع احدى رجليه ويضعها على الأخرى مستريحا من الاعياء ثم انصرف الشيخ ورجع أبو نواس إلى مكانه فقيل له من هذا الشيخ الذي رأيناك تعظمه هذا الاعظام وتجله هذا الاجلال فقال:
هذا إسماعيل بن القاسم أبو العتاهية فقال له السائل لم أجللته هذا الاجلال وساعة منك عند الناس أكثر منه قال ويحك لا تقل فوالله ما رأيته قط الا توهمت انه سماوي وانا ارضي انتهى وكان بشار وهو الشاعر المقدم يقول إنه أشعر زمانه ويطرب عند سماع شعره ويقول لأشجع وأبو العتاهية ينشد: انظر هل طار الخليفة عن فرشه ففي الأغاني بسنده قيل لبشار من أشعر أهل زماننا فقال مخنث أهل بغداد يعني أبا العتاهية. وبسنده انه جلس المهدي للشعراء يوما فاذن لهم وفيهم بشار وأشجع وأبو العتاهية وكان أشجع يأخذ عن بشار قال أشجع فلما سمع بشار كلام أبي العتاهية قال يا أخا سليم أهذا ذلك الكوفي الملقب قلت نعم قال لا جزى الله خيرا من جمعنا معه ثم قال له المهدي انشد فقال ويحك أو يبدأ به فيستنشد أيضا فقلت قد ترى فأنشد:
الا ما لسيدتي ما لها * تدل فاحمل إدلالها ألا ان جارية للامام * قد اسكن الحب سربالها مشت بين حور قصار الخطا * تجاذب في المشي اكفالها وقد اتعب الله نفسي بها * واتعب باللوم عذالها قال أشجع: فقال لي بشار ويحك يا أخا سليم ما أدري من اي امريه أعجب أمن ضعف شعره أم من تشبيبه بجارية الخليفة يسمع ذلك باذنه قال المؤلف أعجب شئ ما بلغ به هؤلاء المتسمون بالخلافة من الخلاعة وقلة الغيرة حتى صار الشعراء يشببون بجواريهم في مجلسهم العام ولكن من يبرز جواريه تغني امام الأجانب لا يمكن ان يغار من التشبيب بها. قال حتى اتى على قوله:
اتته الخلافة منقادة * اليه تجرر أذيالها ولم تك تصلح الا له * ولم يك يصلح الا لها