وتوانى الرشيد في اخراجه إلى أن قال الأبيات التي أولها:
اما والله ان الظلم لوم * وما زال المسئ هو الظلوم إلى ديان يوم الدين نمضي * وعند الله تجتمع الخصوم فرق له وامر باطلاقه. وفي رواية للأغاني ان الرشيد حبسه وضيق عليه حتى يقول الشعر الرقيق في الغزل كما كان يقول فحبسه في بيت خمسة أشبار في مثلها فصاح الموت أخرجوني فانا أقول كلما شئتم فقيل له قل فقال حتى أتنفس فاخرج وأعطي دواة وقرطاسا فقال أبياتا في الغزل ولعل حبسه واطلاقه قد تكرر. وله في الرشيد لما حبسه أشعار كثيرة ذكر جملة منها في الأغاني. ولما مات موسى الهادي قال أبو العتاهية: لا أقول شعرا بعده ابدا. وقال إبراهيم الموصلي لا أغني بعده ابدا وكان محسنا إليهما فحبسهما الرشيد. وشرب الرشيد مع جعفر وغنت جارية صوتا ببيت واحد فاستحسناه فقال الرشيد ما أحوجه إلى بيت ثان فأرسل إلى أبي العتاهية فكتب اليه أبو العتاهية:
شغل المسكين عن تلك المحن * فارق الروح واخلي من بدن ولقد كلفت أمرا عجبا * اسال التفريج من بيت الحزن ثم قال أبو العتاهية لإبراهيم إلى كم هذا تلاح الخلفاء هلم أقل شعرا وتغني فيه فقال أبو العتاهية:
بأبي من كان في قلبي له * مرة حب قليل فسرق يا بني العباس فيكم ملك * شعب الاحسان منه تفترق انما هارون خير كله * مات كل الشر مذ يوم خلق فدعا بهما الرشيد فأنشده أبو العتاهية وغناه إبراهيم فأعطى كل واحد مائة ألف درهم ومائة ثوب. وفي لسان الميزان جمع أبو عمر بن عبد البر زهديات أبي العتاهية في مجلد كبير.
اخباره في الأغاني بسنده عن محمد بن أبي العتاهية انه فخر رجل من كنانة على أبي العتاهية واستطال باهله فقال أبو العتاهية:
دعني من ذكر أب وجد * ونسب يعليك سور المجد ما الفخر الا في التقى والزهد * وطاعة تعطي جنان الخلد لا بد من ورد لأهل الورد * إما إلى ضحل وإما عد وفي شذرات الذهب: يقال أن أبا نواس وجماعة من الشعراء معه دعا أحدهم بماء يشربه فقال: عذب الماء فطابا ثم قال أجيزوا فترددوا ولم يعلم أحد منهم ما يجانسه في سهولته وقرب مأخذه حتى طلع أبو العتاهية فقالوا هذا، قال وفيم أنتم قالوا قال أحدنا نصف بيت ونحن نخبط في تمامه قال وما الذي قال قالوا: عذب الماء فطابا فقال أبو العتاهية: حبذا الماء شرابا. وشاور رجل أبا العتاهية فيما ينقشه على خاتمه فقال انقش عليه لعنة الله على الناس وانشد:
برمت بالناس وأخلاقهم * فصرت استأنس بالوحدة ما أكثر الناس لعمري وما * أقلهم في حاصل العدة وقيل له اي شعر قلته احكم قال قولي:
ان الشباب والفراع والجده * مفسدة للمرء اي مفسده وكان أبو العتاهية يختلف إلى عمرو بن مسعدة لود كان بينه وبين أخيه مجاشع بن مسعدة فاستأذن أبو العتاهية على عمرو فحجب عنه فكتب اليه:
ما لك قد حلت عن اخائك * واستبدلت يا عمرو شيمة كدره لستم ترجون للحساب ولا * يوم تكون السماء منفطره قد كان وجهي لديك معرفه * فاليوم أضحى حرفا من النكره وكان أبو العتاهية قد هجا عبد الله بن معن بن زائدة بقوله:
فصغ ما كنت حليت * به سيفك خلخالا وما تصنع بالسيف * إذا لم تك قتالا وكان ابن نوفل قال في عبد الملك بن عمير القاضي:
إذا ذات دل كلمته لحاجة * وهم بان يقضي تنحنح أو سعل فقال عبد الملك تركني وان السعلة لتعرض لي في الخلاء فاذكر قوله فأهاب ان أسعل وقال عبد الله بن معن ما لبست سيفي قط فرأيت انسانا يلحظني الا ظننت انه يحفظ قول أبي العتاهية في فلذلك يتأملني فأخجل.
وفي الأغاني بسنده عن أبي العتاهية قال: لما تركت قول الشعر حبسني الرشيد فأدخلت السجن وأغلق الباب علي فدهشت كما يدهش مثلي لتلك الحال وإذا انا برجل جالس في جانب الحبس مقيد فتمثل:
تعودت مس الضر حتى ألفته * وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر وصيرني يأسي من الناس راجيا * لحسن صنيع الله من حيث لا أدري فقلت له أعد يرحمك الله البيتين فقال لي ويلك يا أبا العتاهية ما أسوأ أدبك دخلت فما سلمت تسليم المسلم على المسلم ولا سالت مسالة الحر للحر ولا توجعت توجع المبتلى حتى إذا سمعت بيتين من الشعر الذي لا فضل فيك غيره لم تصبر عن استعادتها فقلت اني دهشت لهذه الحال فاعذرني فقال انا أولى بالدهش والحيرة منك لأنك حبست في أن تقول شعرا به ارتفعت وانا مأخوذ بان أدل على ابن رسول الله ص ليقتل أو اقتل دونه ووالله لا أدل عليه ابدا فأينا أحق بالدهش فقلت أنت والله أولى سلمك الله ثم أعاد البيتين حتى حفظتهما وسألته من هو فقال انا حاضر داعية عيسى بن زيد وابنه احمد ولم نلبث ان سمعنا صوت الاقفال فسكب عليه ماء كان عنده ولبس ثوبا نظيفا و دخل الجند والحرس معهم الشمع فأخرجونا وقدم قبلي إلى الرشيد فسأله عن أحمد بن عيسى فقال لا تسألني عنه فلو كان تحت ثوبي هذا ما كشفته عنه وامر بضرب عنقه فضرب ثم قال لي أظنك قد ارتعت يا إسماعيل فقلت دون ما رأيته تسيل منه النفوس فقال ردوه إلى محبسه وانتحلت البيتين وزدت فيهما:
إذا انا لم اقبل من الدهر كلما * تكرهت منه طال عتبي على الدهر اخباره في البخل في الأغاني: كان أبو العتاهية أبخل الناس مع يساره وكثرة ما جمعه من الأموال. وبسنده عن ثمامة بن أشراس أنشدني أبو العتاهية:
إذا المرء لم يعتق من المال نفسه * تملكه المال الذي هو مالكه الا انما مالي انا منفق * وليس لي المال الذي انا تاركه إذا كنت ذا مال فبادر به الذي * يحق والا استهلكته مهالكه فقلت له من أين قضيت بهذا فقال من قول رسول الله ص انما لك