الإسكندرية في الدواوين السلطانية بغير اختياره سنة 559 ثم قتل ظلما وعدوانا وذكره العماد الكاتب في كتاب السيل والذيل الذي ذيل به على الخريدة فقال: الخصم الزاخر والبحر العباب ذكرته في الخريدة وأخاه المهذب قتله شاور ظلما لميله إلى أسد الدين شير كوه. كان اسود الجلدة وسيد البلدة أوحد عصره في علم الهندسة والرياضيات والعلوم الشرعيات والآداب الشعريات.
اخباره في معجم الأدباء وغيره عن السلفي انه ولد بأسوان بلدة من صعيد مصر وهاجر منها إلى مصر فأقام بها واتصل بملوكها ومدح وزراءها وتقدم عندهم وأنفذ إلى اليمن في رسالة ثم قلد قضاءها واحكامها ولقب بقاضي قضاة اليمن وداعي دعاة الزمن ولما استقرت بها داره سمت نفسه إلى رتبة الخلافة فسعى فيها وأجابه قوم وسلم عليه بها وضربت له السكة وكان نقش السكة على الوجه الواحد قل هو الله أحد الله الصمد وعلى الوجه الآخر الامام الأمجد أبو الحسين احمد ثم قبض عليه ونفذ مكبلا إلى قوص فحكى من حضر دخوله إليها انه رأى رجلا ينادي بين يديه هذا عدو السلطان أحمد بن الزبير وهو مغطى الوجه حتى وصل إلى دار الامارة والأمير بها يومئذ طرخان بن سليط وكان بينهما ذحول قديمة فقال احبسوه في المطبخ الذي كان يتولاه قديما وكان ابن الزبير قد تولى المطبخ وفي ذلك يقول الشريف الأخفش من ابيات يخاطب الصالح بن رزيك:
يولى على الشئ أشكاله * فيصبح هذا لهذا أخا أقام على المطبخ ابن الزبير * فولى على المطبخ المطبخا فقال بعض الحاضرين لطرخان ينبغي أن تحسن إلى الرجل فان أخاه يعني المهذب حسن بن الزبير قريب من قلب الصالح ولا أستبعد أن يستعطفه عليه فتقع في خجل قال فلم يمض على ذلك غير ليلة أو ليلتين حتى ورد ساع من الصالح بن رزيك إلى طرخان بكتاب يأمره فيه باطلاقه والاحسان اليه فأحضره طرخان من سجنه مكرما فلقد رأيته وهو يزاحمه في رتبته ومجلسه اه.
هكذا ذكر ياقوت عن السلفي أن السبب في القبض عليه وانفاذه من اليمن إلى مصر ادعاؤه الخلافة ولكن ابن خلكان قال إن سببه امر آخر ولم يشر إلى ما نقل عن السلفي أصلا قال: كان الرشيد سافر إلى اليمن رسولا ومدح جماعة من ملوكها وممن مدحه منهم علي بن حاتم الهمداني قال فيه:
لئن أجدبت ارض الصعيد وأقحطوا * فلست أنال القحط في أرض قحطان ومذ كفلت لي مأرب بمآربي * فلست على أسوان يوما بأسوان وإن جهلت حقي زعانف خندف * فقد عرفت فضلي غطارف همدان فحسده الداعي في عدن على ذلك فكتب بالأبيات إلى صاحب مصر فكانت سبب الغضب عليه فامسكه وأنفذه اليه مقيدا مجردا وأخذ جميع موجوده اه. وفي نسمة السحر كان القاضي أبو الحسين المذكور صنف الرسالة الحصيبية للسلطان حاتم بن أحمد الهمداني لما ورد بلاد اليمن وانما سماها الحصيبية لأن بلاد زبيد تسمى ارض الحصيب قال ولما ورد القاضي الرشيد إلى اليمن اجتمع بعليان بن أسعد أحد مطرفية الزيدية وكان معه جماعة من علماء الزيدية وهم لا يتمكنون في المناظرة الا بقولهم قال الهادي ففضحهم الرشيد وكان الرشيد محققا لعلوم الأوائل كما هو عادتهم. وقال فيه محمد بن حاتم أخو السلطان حاتم بن أحمد:
ديني ودين الرشيد متحد * ودين أهل العقول والحكم وألف محمد هذا كتاب الصريح في مذهب الإسماعيلية وكان ممن ناظر الرشيد نشوان الحميري المتزندق. وعمر الرشيد للسلطان دارا على صفة قصور الخلفاء الفاطميين وهندس هو موضعها ولم يكن لها باليمن نظير ثم أخربها الامام المتوكل على الله أحمد بن سليمان لما دخل صنعاء اه قال ياقوت: وكان السبب في تقدمه في الدولة المصرية في أول أمره ما حدثني به الشريف أبو عبد الله محمد بن أبي محمد عبد العزيز الإدريسي الحسني الصعيدي قال حدثني زهر الدولة حدثنا ان أحمد بن الزبير دخل إلى مصر بعد مقتل الظافر وجلوس الفائز وعليه أطمار رثة وطيلسان صوف فحضر المأتم وقد حضر شعراء الدولة فأنشدوا مراثيهم على مراتبهم فقام في آخرهم وأنشد قصيدته التي أولها:
ما للرياض تميل سكرا * هل سقيت بالمزن خمرا إلى أن وصل إلى قوله:
أ فكربلاء بالعرا * ق وكربلاء بمصر أخرى فذرفت العيون وعج القصر بالبكاء والعويل وانثالت عليه العطايا من كل جانب وعاد إلى منزله بمال وافر حصل له من الأمراء والخدم وحظايا القصر وحمل إليه من قبل الوزير جملة من المال وقيل له لولا أنه العزاء والمأتم لجاءتك الخلع اه أقول كان هذا المأتم للخليفة الظافر بأمر الله أبي منصور إسماعيل بن الخليفة الحافظ عبد المجيد بن محمد الفاطمي العبيدي أحد الخلفاء الفاطميين بمصر وهو العاشر منهم لما قتله نصر بن عباس التميمي الصنهاجي وكان أبوه عباس وزير الظافر، عن سبط ابن الجوزي في تاريخه مرآة الزمان ان نصر بن عباس أطمع نفسه في الوزارة وأراد قتل أبيه ودس اليه ليقتله فعلم أبوه واحترز وجعل يلاطفه وقال له عوض ما تقتلني اقتل الظافر وكان نصر ينادم الظافر ويعاشره وكان الظافر يثق به وينزل في الليل إلى داره متخفيا فنزل ليلة إلى داره فقتله نصر وخادمين معه ورمى بهم في بئر وأخبره أباه فلما أصبح عباس جاء إلى باب القصر يطلب الظافر فقيل له ابنك نصر يعرف أين هو فاحضر أخوي الظافر وابن أخيه وقتلهم صبرا بين يديه متهما لهم بقتل الظافر وإنما فعل ذلك لئلا يتولى واحد منهم الخلافة فيبطل امره فقتلهم وأحضر أعيان الدولة وقال لهم إن الظافر ركب البارحة في مركب فانقلب به فغرق وأخرج عيسى ولد الظافر وعمره خمس سنين فبايعه بالخلافة ليكون هو المتولي للأمور دونه لصغر سنه ولقبه الفائز بنصر الله فأرسل أهل القصر إلى طلائع بن رزيك والي قوص يخبرونه بقتل الظافر ويستنجدونه على عباس وابنه نصر فحضر إلى القاهرة بجيشه وهرب عباس وابنه نصر طالبين للشرق وحملا معهما ما قدرا عليه فحال الفرنج بينه وبين طريقه وقتل عباس وأسر ابنه نصر وأرسلوه إلى مصر مقابل مال اخذوه فسلم إلى أهل القصر فقتلوه شر قتلة وتقلد طلائع الوزارة واستخرج الظافر من البئر التي كان ألقي فيها ودفن وأقام أهل القصر المأتم عليه وحضر المترجم وأنشدهم القصيدة المشار إليها وهذا معنى قوله فيها:
أفكربلاء بالعراق * وكربلاء بمصر أخرى وحكى ياقوت في معجم الأدباء عن صاحب حديثه أن المترجم كان على جلالته وفضله ومنزلته من العلم والنسب قبيح المنظر اسود الجلدة جهم الوجه سمج الخلقة ذا شفة غليظة وأنف مبسوط كخلقة الزنوج قصيرا،