كلها معددا لها قبيلة قبيلة قائلا:
سار بجمع كالدبى من قحطان * ومن معد قد أتى ابن عدنان بجحفل شديد الارنان * فقل لحجاج ولي الشيطان يثبت لجمعي مذحج وهمدان * والحي من بكر وقيس عيلان وكذلك في ثورة الحارث بن سريج في خراسان سنة 116 حيث اجتمعت تحت قيادته مضر واليمن والأزد * وتميم وهي القبائل المتنافرة المتنازعة، ولم يكن أعجب من أن تمشي اليمن وراء زعيم مضري.
السياسة التطبيقية وكانت السياسة التطبيقية بتأريث العداوة بين القبائل هي خطة الحكم فعبد الملك بن مروان مثلا بعد ان قرب اليمانية وأغدق عليهم ما أغدق، فاثار العداء بينهم وبين القيسية وتحققت أهدافه، عاد يقرب القيسية ويحلهم محل اليمانية لتزداد الأحقاد ويتأصل النزاع.
ومثل هذا فعل من تقدموه ومن تأخروا عنه. فمنهج الحكم قبلي بحت لا عربي قومي، فلا يقدم العربي لأنه عربي، بل تقدم القبيلة كلها أو تجفى كلها ليظل الصراع مشتعلا بين القبائل.
وهكذا تقسمت الأمة العربية من جديد إلى قبائل متنازعة متخاصمة، بعد ان صهرها الحكم العربي الصحيح حكم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم في وحدة متراصة متكاتفة تبرز العربي عربيا لا يعلن انتماءه الا للعرب، لا إلى قبيلة من القبائل، إلى العرب الذين عول عليهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حمل رسالته العالمية إلى الكون كله.
وكان أعظم أدوات الحكم (العربي) الذي يباهي به الكاتب لتمزيق الصف العربي هم الشعراء الذين كان يغريهم الحكام بالعودة إلى التفاخر بالقبيلة لعلمهم باثر الشعر في ذلك. وكان الرسول العربي يعرف ما يفعله شعر الشعراء في اضرام التعادى القبلي لذلك قال في بعض ما قاله: (من قال في الاسلام هجاء مقذعا فلسانه هد). وعماد الهجاء المقذع تفضيل الشاعر احدى القبائل على القبيلة المهجوة.
وهكذا انفصمت عروة القومية العربية، وعاد (قوم) الفرد لا أمته، بل قبيلته فسمعنا مثلا الفرزدق يقول:
تميم هم (قومي) فلا تعدلنهم * بحي إذا اعتز الأمور كبيرها وسمعنا عبد الله بن خليفة الطائي يقول:
فلا يبعدن (قومي) وان كنت غائبا * وكنت المضاع فيهم والمكفرا وسمعنا الفرزدق يكرر القول:
انا الضامن الراعي عليهم وانما * يدافع عن أحسابهم انا أو مثلي إذا ما رضوا مني إذا كنت ضامنا * باحساب (قومي) في الجبال وفي السهل وسمعنا جريرا يقول، وهوو ان لم يذكر كلمة (قومي)، فيكفي انه يعلن ان (الأعداء) في نظره هم أعداء قبيلته لا أعداء العرب:
ألم أك نارا يصطليها (عدوكم) * وحرزا لما الجاتم من ورائيا كما أعلن الفرزدق بأن الأحساب التي يدافع عنها هي أحساب القبيلة لا أحساب العرب.
وإذا كان جرير لم يذكر في البيت المتقدم كلمة (قومي) فقد ذكرها في بيت آخر هو:
واني لمن (قوم) بهم تتقى العدى * ورأب الثاى والجانب المتخوف وهكذا استحالت الرابطة بين العرب من الرابطة القومية التي تعني (بالقوم) العرب جميعهم، إلى الرابطة القبلية التي تعني (بالقوم) القبيلة.
وكثر ذلك في الشعر العربي. فقال الطرماح:
لم يفتنا بالوتر (قوم) * وللضيم رجال يرضون بالاغماض وقال أيضا مفتخرا بمحاماة مذحج والأزد عن أهل العراق ومشاركتهم في قتل قتيبة بن مسلم:
(قوم) هم قتلوا قتيبة عنوة * والخيل جانحة عليها العثير بالمرج مرج الصين حيث تبينت * مضر العراق من الأعز الأكبر وقال عبد الله بن عمر العبلي:
أولئك (قومي) تداعت بهم * نوائب من زمن متعس وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
حبذا العيش حين (قومي) جميع * لم تفرق أمورها الأهواء وهكذا نسي العرب انهم عرب تربطهم أمة واحدة.
الهوان وقد أدى تحريش السلطة بين القبائل إلى أن يستهين العرب بعروبتهم وان يلجأوا إلى الأمم الأخرى ليفاخروا بانتسابهم إليها، فلما فاخرت القحطانية بملوكها القدامى وبما كان لهم من سلطان على القبائل المعدية، ادعت العدنانية ان الفرس الذين دانت لهم بلاد اليمن قديما يرجعون في نسبهم إلى جدهم الذي ينتمون اليه إذ هم من ولد إسحاق بن إبراهيم. فقال إسحاق بن سويد العدوي:
إذا افتخرت قحطان يوما بسؤدد * اتى فخرنا أعلى عليها واسودا ملكنا هم بدأ بإسحاق عمنا * وكانوا لنا عونا على الدهر أعبدا ويجمعنا والغر أبناء فارس * أب لا نبالي بعده من تفردا وهكذا عاد العرب في ظل دولة (القومية العربية) يفاخرون بأن العرب كانوا عبيدا لغيرهم، ويتباهون لا بالعروبة وانسابها، بل بصلة النسب التي زعموا بأنها تربطهم بالفرس (الغر). والدولة مرتاحة لذلك ما دام فيه شاغل للشعب عن التفكير في تدبر أموره، وما دامت هي المسبب لكل ذلك.
وقد بلغ الهوان العربي أقصاه، إذ تعدى الامر الافتخار بالفرس (الغر) إلى التفاخر باليهود (الغر). في طل دولة (القومية العربية) فسمعنا جريرا يقول:
أبونا أبو إسحاق يجمع بيننا * أب كان مهديا نبيا مطهرا ومنا سليمان النبي الذي دعا * فأعطي بنيانا وملكا مسخرا وموسى وعيسى والذي خر ساجدا * فأنبت زرعا دمع عينيه اخضرا ويعقوب منا زاده الله حكمة * وكان ابن يعقوب أمينا مصورا فيجمعنا و (الغر) أبناء سارة * أب لا نبالي بعده من تعذرا ثم عاد الامر مهزلة من المهازل كانت تضحك لها الدولة بملء ء أشداقها، ان العدنانية أرادوا ان يزيدوا إلى فخارهم بالفرس فخارا بأمم أخرى فجمعوا إلى ارتباط نسبهم بالفرس ارتباطه بالأكراد والهنود والبربر والديلم (1). ولما