المعمل وبين ساحة واسعة اسمها حركة التحرر، ويختار حيث يستطيع موقع الزعامة أي القيادة ويمنحها للذين ينضحون عرقا ونضالا...
والناقد في لغة الحروب مثل القناص يصوب من بعيد، يصوب عبر نافذة ضيقة، باتجاه الناس فيطل عليهم " بالمفرق " بينما السياسي أو القاضي... " بالجملة "....
وكيف إذا اجتمعت هذه الألقاب والصفات والوظائف والمواهب في شخص واحد وكيف إذا كان هذا الواحد عبد المطلب الأمين. أجل هو نفسه الذي حشد في داخله سياسيا وقاضيا وصحافيا وشاعرا وناقدا ومحاميا وغلف هذه الجوانب ووحدها وصهرها واخرج منها شخصا ليس بالقاضي ولا بالشاعر ولا بالمحامي ولا بالسياسي ولا بالصحافي... بل هو من كل واحد من هؤلاء زبدته وقد تقمصت انسانا يتقن ترجمة معارفه ومواهبه بالمرح الدائم والنكتة المبتكرة.
وقد يكون مفاجئا للبعض اعتبار جانب المرح واتقان فنون الضحك والدعابة اللطيفة والفرح الجاهز دوما والمستخرج دوما من أي شئ، من أية وظيفة، من أي موقع أو موقف أو شخص أو حدث أو خبر أو حركة... أهم جوانب شخصيته، أجل أهم ما في عبد المطلب موهبته في تجميع المواهب وموهبته في توزيعها على الناس عبر أقرب الطرق وأسهل السبل وأكثرها امتاعا... قد نجمع على احترام عدد من الأشخاص وعلى محبتهم لكننا لا نحبهم ولا نحترمهم بنفس المضمون وعلى نفس الطريقة، وقد تكون أساليب تعبيرنا واحدة وأدوات تعبيرنا واحدة لكننا حيالهم كمن يعزف تنويعات على آلة موسيقية واحدة... أي نوع من العزف كأنه عبد المطلب؟ كلما وجهت هذا السؤال لأحد ارتبك لأنه لا يحسن اختصار عبد المطلب بالكلام أنه شخص لا يجوز اختصاره.
أراني أمدح عبد المطلب الأمين أكثر مما أقدمه أو اعرف به، انني في ذلك أترجم مواقف الذين سألتهم عن عبد المطلب. كلهم اجمعوا على أن من الطبيعي بل ومن الضروري أن يكون موقع عبد المطلب أفضل مما كان...
وأن يكون دوره أكبر مما كان، وأن تكون مكانته الرسمية أكثر رسوخا وبروزا وشهرة وتأثيرا...
كلهم دون استثناء اتفقوا اذن على أمرين:
- الأول هو أن امكاناته ومواهبه كانت كبيرة وكبيرة جدا.
- الثاني ان موقعه في تاريخ بلاده لم يكن موازيا لتلك الامكانات.
أما أن امكاناته كانت كبيرة ومتعددة فذلك أمر لا شك فيه، كما أنه لا شك في الدور الكبير الذي كان لنشأته في بيت ذي مكانة في تاريخ جبل عامل وبلاد الشام وفي تاريخ الفكر الشيعي الحديث، عبد المطلب هو ابن السيد محسن الأمين وهو من هو في المجال الديني والفكري والسياسي، انه أحد المراجع الكبرى في زمانه في الدين كما في المواقف الوطنية.
وانطلاقا من هذا المنشأ تهيات الظروف لعبد المطلب الأمين كي يكون في عداد الرعيل الأول من المتعلمين والذين تابعوا دراستهم (حمل إجازة في الحقوق عام 1939) وقد اتقن إلى جانب العربية الفرنسية والإنكليزية والروسية وأتيح له أن يتخرج من بيت عريق بالثقافة تخصص في جانب مهم من التراث التاريخي والديني...
على المستوى الثقافي العام استطاع عبد المطلب إذن ان يستفيد من منشأه الأكاديمي والبيتي والوظيفي ليتكون في داخله جانب من شخصية رجل الدين المحدث، العارف بشؤون الأولياء والصحابة الناقل لأخبارهم وسيرهم، الملم بشؤون القرآن وتفسيره... إلى آخر ما يوفره الجو العام في بيت السيد محسن الأمين... وليتكون في داخله نموذج المثقف الجديد الذي لا يكتفي بالتراث بل يميل إلى حضارة الغرب ويطلع على بعض أثارها من خلال اللغات التي يتقنها...
وليتكون في داخله نموذج يجسد المجتمع الجديد الذي يخطو من العلاقات الدينية الاقطاعية إلى العلاقات المدنية الرأسمالية.
وهكذا بدا عبد المطلب بثقافته نموذجا للجديد الذي بقي على صلة وثيقة بما كان سائدا في الذاكرة الشعبية من التقاليد والعادات والأفكار والقيم.
وعلى المستوى الأدبي لا سيما الشعر كان عبد المطلب، شاعرا، بل لقد كان واحدا من الشعراء الأربعة أبناء السيد محسن الأمين: واخوته حسن وجعفر وهاشم. وعبد المطلب عرفت عنه غزارة انتاجه فكان الشعر يتدفق منه لأنه قابض على ملكة الكتابة الفنية ممتلك لأدوات تلك الكتابة وأولها اللغة وفوق ذلك بل وفي أساسه موهبته وحساسيته...
يذكر من يعرفه أنه كان يكتب شعره على الهامش الأبيض من صحيفة بين يديه أو على علبة السجائر، يكتبه في الأماكن العامة، في سيارات النقل وأحيانا كان يكتب وهو على كرسيه وأمام الطاولة، كان بمقياس ما، حسب احدى المجلات السورية، اشعر الناس.
على مستوى القانون والشريعة فقد عين لسنوات قاضيا وعمل لسنوات أخرى محاميا... وكان يأتيه طلبة العلم في القضاء أو في المحاماة، أحد هؤلاء وكان مثل غيره من المعجبين كان يعتبره دائرة معارف... هذا هو شانه في القانون المدني، وكذلك كان في مجال القانون الديني أو الشريعة ومراجعه في ذلك الكتب الاسلامية وتاريخ أهل البيت وهو من المتأثرين بهم والمعجبين.
على المستوى السياسي امكاناته أيضا كبيرة ومواهبه كبيرة. فعلى الصعيد الرسمي عمل عبد المطلب سفيرا لسوريا في موسكو وكان سفيرا ناجحا بشهادة مسؤوليه... يروي زهير مارديني بعض الحوادث التي تؤكد ذلك (مع الجابري رئيس الوزراء) وقيل أنه أحد مؤسسي وزارة الخارجية السورية... وعلى الصعيد الشعبي عرف بمواقفه الوطنية الدائمة دون خوف وبلا حساب لأية ردة فعل... من القضايا المطلبية، إلى القضايا السياسية والموقف من السلطة والرؤساء والوزراء، إلى القضايا القومية والموقف من القضية الفلسطينية والوحدة العربية... الخ كان لعبد المطلب مواقف وطنية معروفة في كل مجال...
وأخيرا وعلى مستوى الكفاءات الشخصية والمواهب والمزايا الذاتية يجمع الذين يعرفونه على أنه انسان حاد الذكاء، كثير الاستقامة والصدق، كثير التواضع بارع في تكيفه مع جميع فئات المجتمع من الفلاحين وأبناء الريف إلى الدبلوماسيين وأجواء الأرستقراطية... وإلى جانب ذلك كان يمتلك مهارة فائقة في صنع المرح وابتكار الضحكة واستحضار النكتة وكان لا يوفر، في