تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٣٦ - الصفحة ١١٣
كبرائها.
فأتى فاس، وأظهر الأمر بالمعروف، وكان جل ما يدعو إليه علم الاعتقاد على طريقة الأشعرية.
وكان أهل المغرب ينافرون هذه العلوم، ويعادون من ظهرت عليه.
فجمع والي فاس الفقهاء له، فناظرهم، فظهر عليهم لأنه وجد جوا خاليا وناسا لا علم لهم بالكلام، فأشاروا على المتولي بإخراجه.
فسار إلى مراكش، وكتبوا بخبره إلى ابن تاشفين، فجمع له الفقهاء، فلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إلا مالك بن وهيب، وكان متفننا قد نظر في الفلسفة.
فلما سمع كلامه استشعر حدته وذكاءه فأشار على أمير المسلمين ابن تاشفين بقتله، وقال: هذا لا تؤمن عائلته، وإن وقع في بلاد المصامدة قوي شره، فتوقف عن قتله دينا، فأشار عليه) بحبسه، فقال: علام أسجن مسلما لم يتعين لنا عليه حق.
ولكن يخرج عنا.
فذهب هو وأصحابه إلى السوس، ونزل تينمل.
ومن هذا الموضع قام أمره، وبه قبره، فلما نزله اجتمع إليه المصامدة، فشرع في بث العلم والدعاء إلى الخير.
وكتم أمره، وصنف لهم عقيدة بلسانهم، وعظم في أعينهم، وأحبته قلوبهم.
فلما استوثق منهم دعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونهاهم عن سفك الدماء، فأقاموا على ذلك مدة، وأمر رجالا منهم ممن استصلح عقولهم بنصب الدعوة.
واستمال رؤساء القبائل، وأخذ يذكر المهدي ويشوق إليه، وجمع الأحاديث التي جاءت في فضله، فلما قرر عندهم عظمة المهدي ونسبه ونعته، ادعى ذلك لنفسه، وقال: أنا محمد بن عبد الله، وسرد له نسبا إلى علي عليه السلام، وصرح بدعوى العصمة لنفسه، وأنه المهدي المعصوم، وبسط يده للمبايعة فبايعوه، فقال: أبايعكم على ما أبايع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وصنف لهم تصانيف في العلم، منها كتاب سماه أعز ما يطلب، وعقائد على مذهب الأشعري في أكثر المسائل إلا في إثبات الصفات، فإنه وافق المعتزلة في نفيها، وفي مسائل غيرها قليلة.
وكان يبطن شيئا من التشيع.
ورتب أصحابه طبقات، فجعل منهم العشرة، وهم الأولون السابقون إلى إجابته.
وهم الملقبون بالجماعة.
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»