تاريخ الإسلام - الذهبي - ج ٣٦ - الصفحة ١١٠
وبلغ الملك سفرهم، فسر بذلك.
وفشا مع أهل الجبل بوصول ابن تومرت، فجاءوه من النواحي يتبركون به، وكان كل من أتاه استدناه، وعرض عليه ما في نفسه من الخروج، فإن أجابه أضافه إلى خواصه، وإن خالفه أعرض عنه.
وكان يستميل الشباب والأغمار، وكان ذوو الحلم والعقل من أهاليهم ينهونهم ويحذرونهم من اتباعه خوفا عليهم من الملك، فكان لا يتم له مع ذلك حال.
وطالت المدة، وكثرت أتباعه من أهل جبال درن، وهو جبل لا يفارقه الثلج، وطريقه ضيق) وعسر.
قال اليسع بن حزم: لا أعلم مدينة من تينمل، لأنها بين جبلين، ولا يسع الطريق إليها إلا الفارس، وقد ينزل عن فرسه في أماكن صعبة، وفيها مواضع لا يعبر فيها إلا على خشب، فإذا أزيلت خشبة لم يمر أحد.
وهذه الطريق مسافة يوم.
فأخذ أصحابه يغيرون على النواحي سبيا وقتلا، وتقوا وكثروا.
ثم إنه غدر بأهل تينمل الذين آووه ونصروه، وأمر أصحابه، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، قاتله الله.
فقال له الفقيه الإفريقي، وهو أحد العشرة، عن ما فعل بأهل تينمل: هؤلاء قوم أكرمونا وأنزلونا دورهم قتلتهم فقال لأصحابه: هذا شك في عصمتي، خذوه فاقتلوه.
فقتلوه، وعلقوه على جذع.
قال: وكل ما أذكره من حال المصامدة فمنه ما شاهدته، ومنه ما أخذته بنقل التواتر.
وكان في وصيته إلى قوم إذا ظفروا بمرابط أو أحد من تلمسان أن يحرقوه.
فلما كان في عام تسعة عشر خرج إليهم يوما، فقال: تعلمون أن البشير، الذي هو الونشريسي، إنه أمي لا يقرأ ولا يكتب وإنه لا يثبت على دابة، وقد جعله الله مبشرا لكم مطلعا على أسراركم، وهو آية لكم، فإنه حفظ القرآن، وتعلم الركوب.
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»