جراب النورة بين اللغة والاصطلاح - السيد محمد رضا الجلالي - الصفحة ٢٧
وتطبيق الحديثين على هذه المناسبة، واضح:
أما حديث هشام: فإنه كان يعتقد بإمامة الإمام موسى الكاظم عليه السلام، والصفات التي ذكرها لمستحق الإمامة، لم توجد في عصره إلا في شخصه عليه السلام، وهارون المستخلف كان يعلم ذلك، ويعرف من نفسه أنه فارغ من أية صفة من تلك الصفات، ويعرف أن هشاما ممن يعتقد بالحق في الإمام الكاظم عليه السلام وأنه قاصد له عليه السلام بتلك الصفات.
فلما سمع هارون بقول هشام في صاحب الصفات إنه " صاحب القصر أمير المؤمنين " وظاهره أنه يرى وجود الصفات في هارون الرشيد، علم أنه يتقيه، فقال:
" أعطانا - والله - من جراب النورة " أي شبه علينا وذكر هذا الكلام تقية.
وأما حديث الإرث: فحيث أن العامة يحكمون في تلك المسألة بكون نصف المال للبنت، والنصف الآخر للمولى، وهذا مخالف لفقه أهل البيت عليهم السلام الذي يحكم بكون المال كله للبنت وحدها، فإن الإمام لم يحكم ابتداء بإعطاء المال كله للبنت.
بل ذكر حكم نصف المال وأنه للبنت، وهذا موهم للتقية، وإن لم يكن موافقا لها بالتمام.
وقد جاء التصريح بهذا المعنى الذي فهمناه، في عدة روايات منها، ما رواه الكليني قدس سره، بسنده عن سلمة بن محرز، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن رجلا أرمانيا مات، وأوصى إلي.
فقال: وما الأرماني؟
قلت: نبطي من أنباط الجبال، مات وأوصى إلي بتركته، وترك ابنته؟
فقال لي: أعطها النصف.
قال: فأخبرت زرارة بذلك، فقال لي: " اتقاك " إنما لها المال كله.
قال: فدخلت عليه بعد، فقلت: أصلحك الله، إن أصحابنا زعموا أنك اتقيتني.
فقال: لا والله، ما اتقيتك، ولكن اتقيت عليك أن تضمن فهل علم بذلك أحد؟
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»