الاحكام - ابن حزم - ج ٤ - الصفحة ٤٤٨
نصاب من يطلب بركة إشماعيل لنفسه غير منكر أن يسفهوه فيما أحبوا، وهذه صفة جني لعب بعقولهم وسخر منهم، لا صفة الباري تعالى عز وجل، على أنه قد بين لهم في التوراة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنذروا به.
فصح بذلك أن شريعتهم إنما علقت لهم بشرط ما لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم المنتظر، الذي هو رجاء الأمم، والذي يستعلي من جبار فاران، ومعه ألوف من الصالحين، والذي يجعل الله تعالى كلامه في فمه، ومن عصاه انتقم منه، فصار ذلك بمنزلة ما أمروا به من العمل في التيه بأوامر ما، وفي البيت والشام بأوامر أخر، ومثله ما أمروا به من العمل في غير السبت، ثم تحريم العمل في السبت، وبمنزلة صيام وقت ما، والمنع منه في وقت آخر، ومثل إباحة الوطئ في وقت ما، وتحريمه في وقت الحيض وسائر الشرائع المرتبطة بأوقات ما، فإذا عدمت تلك الأوقات انتقل حكم تلك الشرائع، وكل ذلك لا علة له ولا شئ يوجبه أصلا، لا مصلحة ولا غيرها، إلا أنه تعالى أراد ذلك، كما أراد خلق ما خلق من الخلائق المختلفات فقط، وبالله تعالى التوفيق. فكيف وفي توراتهم أن الله تعالى أباح لآدم وبنيه أكل حيوان حاشا الدم، وهذا خلاف شريعة موسى عليه السلام فقد صح النسخ عندهم.
فصل فيما يجوز النسخ فيه وفيما لا يجوز فيه النسخ قال أبو محمد: النسخ لا يجوز إلا في الكلام الذي معناه الامر أو النهي، وقد بينا في كتابنا الموسوم بكتاب التقريب لحدود المنطق: أن الكلام كله ينقسم أربعة أقسام: أمر ورغبة وخبر واستفهام، فالاستفهام والخبر والرغبة لا يقع فيها نسخ، وإنما يسمى الرجوع عن الخبر وعن الاستفهام استدراكا، فكل ذلك منفي عن الله عز وجل، لان الرجوع عنهما إنما هو تكذيب للخبر المرجوع عنه، ومعرفة وكراهية لما رجع عن الاستفهام عنه لعرض حدث أو لعلم بشئ كان يجهل.
وأما الرجوع عن الرغبة فإنما يسمى استقالة أو تنزها عما انحط إليه قبل ذلك، وقد قدمنا أن المعاني إذا اختلفت فواجب أن يخالف بين أسمائها، لئلا يقع الاشكال، وليلوح البيان، ويصح الفهم والافهام، فبقي الرجوع عن الامر بإحداث أمر غيره فيسمى نسخا، وهو فعل من علم أن سيرفع أمره ويحيله. فإذا ورد الكلام لفظه لفظ الخبر،
(٤٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 443 444 445 446 447 448 449 450 451 452 453 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع عشر: في أقل الجمع 391
2 فصل: من الخطاب الوارد بلفظ الجمع 396
3 الباب الخامس عشر: في الاستثناء 397
4 فصل واختلفوا في نوع من الاستثناء 402
5 فصل: من الاستثناء 407
6 الباب السادس عشر: في الكناية بالضمير 412
7 الباب السابع عشر: في الإشارة 412
8 الباب الثامن عشر: في المجاز والتشبيه 413
9 فصل في التشبيه 421
10 الباب التاسع عشر: في أفعال رسول الله (ص) وفى الشئ يراه أو يبلغه فيقره صامتا عليه لا يأمر به ولا ينهى عنه 422
11 باب الكلام في النسخ وهو الموفي عشرين 438
12 فصل: الأوامر في نسخها وإثباتها تنقسم أقساما أربعة 440
13 فصل: في رد المؤلف على القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ: وهذا وجه من وجوه الحكمة 442
14 فصل: في قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسأها) 443
15 فصل اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به؟ 443
16 فصل وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء 444
17 فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه 445
18 فصل فيما يجوز فيه النسخ وفيما لا يجوز فيه النسخ 448
19 فصل هل يجوز نسخ الناسخ 455
20 فصل في مناقل النسخ 456
21 فصل في آية ينسخ بعضها ما حكم سائرها؟ 457
22 فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخا 458
23 فصل ولا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب والناسخة متأخرة فيه 465
24 فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف 466
25 فصل في نسخ الشئ قبل أن يعمل به 472
26 فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 477
27 فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل 483
28 فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي 485
29 فصل في النسخ بالإجماع 488
30 فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس 488
31 الباب الحادي والعشرون: في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه وبين المتشابه في الأحكام 489
32 الباب الثاني والعشرون: في الاجماع وعن أي شئ يكون الاجماع وكيف ينقل الاجماع 494
33 فصل ثم اختلف الناس في وجوه من الاجماع 506
34 ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو؟ إجماع الصحابة أم الاعصار بعدهم وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع 509
35 فصل فيمن قال إن الاجماع لا يجوز لأحد خلافه 512
36 فصل وأما من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع 513
37 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما 515
38 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلفت عليها أهل العصر الماضي 515
39 فصل وأما قول من قال إن افترق أهل العصر على أقوال كثيرة 516
40 فصل فيمن قال مالا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبسط الكلام فيما هو اجماع وفيما ليس إجماع 529
41 فصل فيمن قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن يعدم لا يعد خلافا وأن قول من سواه فيما خالفهم فيه إجماع 544
42 فصل في قول من قال قول الأكثر هو الاجماع ولا يعتد بقول الأقل 552
43 فصل: في إبطال قول من قال الاجماع هو إجماع أهل المدينة 552
44 فصل: فيمن قال ان الاجماع هو إجماع أهل الكوفة 566
45 فصل: في إبطال قول من قال أن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع وإن ظهر خلافه في العصر الثاني 566
46 فصل: وأما من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبى حنيفة الخ 572
47 فصل: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع 579
48 فصل: واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء في الاجماع أم لا؟ 580