الاحكام - ابن حزم - ج ٤ - الصفحة ٤٥١
ولا رتبة من الرتب، وأنه تعالى خلق النفوس بعد أن لم تكن، وخلق العقول على ما هي عليه بعد أن لم تكن، ورتب فيها الرتب على ما هي عليه بعد أن لم يكن شئ منها، وأنه لو شاء أن يخلق العقول على غير ما هي عليه، وأن يرتب الأمور فيها على خلاف ما رتبها لفعله، ولما تعذر ذلك عليه ولكان حينئذ هو الحق والعدل والحكمة، وما عداه الظلم والجور والعبث، لا معقب لحكمه.
ومن ادعى غير هذا، فقد ادعى أن رتبة العقل المجهول في النفس كانت موجودة، إذ لا عقل ولا نفس، وهذا عين التناقض والخبال والخلف والمحال، ومن أنار الله تعالى عقله وسيره لان يستضئ به، وتصور له حدوث العالم بعد أن لم يكن، أشرف على صحة ما ذكرناه وأيقنه وشاهده وعلمه ضرورة، ولم يكن له عنه محيد أصلا، ومن أصحب الله تعالى نفسه والحيرة، وتمييزه الضعف، تحير وتصور الأمور بخلاف ما هي عليه، ولم يخرج إلى طرف وظن الظنون المردية، ولله تعالى الحمد على ما علم وهدى، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
قال أبو محمد: ومن بديع ما قطع أصحابنا على أنه لا يجوز نسخه، شكر المنعم، وأن كفر المنعم لا سبيل إلى إباحته في العقل أصلا.
قال أبو محمد: فنسأل قائل هذا القول الفاسد فنقول له: ما تقول في رجل استنقذ طفلا قد أشرف الأسد على افتراسه فرباه ولا أب له ولا أم ولا مال فأحسن تربيته، ثم علمه العلوم وأكرمه وبره ولم يذله، ولا استخدمه، وموله وزوجه وخوله، ثم إن ذلك المحسن إليه زنى وهو محصن، وسرق وقذف، ثم تاب من كل ذلك وتعبد، ثم قامت عليه بذلك بينة عدل، وقدم إلى يتيمه - وهو بعد حاكم من حكام المسلمين، فما ترى أن يفعل فيه أيشكر فيعفو عنه ولا سيما وقد تاب؟ أو يأمر بأن يوجع متناه بالسياط، ثم يقطع يده، ثم يأمر بشدخ هامته بالحجارة حتى يموت؟ فإن قال: أرى أن يعفو عنه، كفر إن اعتقد ذلك أو فسق إن أشار بذلك غير معتقد له، وإن قال: أرى أن يوقع به أنواع العذاب الذي ذكرنا فقد ترك مذهبه الفاسد في ألا يكفر إحسان المنعم. فإن قال: إن هذا الفعل هو شكره على الحقيقة. قال خلاف ما ادعى أن العقل يوجبه، وسمى غاية الإساءة إحسانا، فإن رجع إلى أن يقول: إنما يحسن في العقول شكر المنعم
(٤٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع عشر: في أقل الجمع 391
2 فصل: من الخطاب الوارد بلفظ الجمع 396
3 الباب الخامس عشر: في الاستثناء 397
4 فصل واختلفوا في نوع من الاستثناء 402
5 فصل: من الاستثناء 407
6 الباب السادس عشر: في الكناية بالضمير 412
7 الباب السابع عشر: في الإشارة 412
8 الباب الثامن عشر: في المجاز والتشبيه 413
9 فصل في التشبيه 421
10 الباب التاسع عشر: في أفعال رسول الله (ص) وفى الشئ يراه أو يبلغه فيقره صامتا عليه لا يأمر به ولا ينهى عنه 422
11 باب الكلام في النسخ وهو الموفي عشرين 438
12 فصل: الأوامر في نسخها وإثباتها تنقسم أقساما أربعة 440
13 فصل: في رد المؤلف على القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ: وهذا وجه من وجوه الحكمة 442
14 فصل: في قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسأها) 443
15 فصل اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به؟ 443
16 فصل وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء 444
17 فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه 445
18 فصل فيما يجوز فيه النسخ وفيما لا يجوز فيه النسخ 448
19 فصل هل يجوز نسخ الناسخ 455
20 فصل في مناقل النسخ 456
21 فصل في آية ينسخ بعضها ما حكم سائرها؟ 457
22 فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخا 458
23 فصل ولا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب والناسخة متأخرة فيه 465
24 فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف 466
25 فصل في نسخ الشئ قبل أن يعمل به 472
26 فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 477
27 فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل 483
28 فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي 485
29 فصل في النسخ بالإجماع 488
30 فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس 488
31 الباب الحادي والعشرون: في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه وبين المتشابه في الأحكام 489
32 الباب الثاني والعشرون: في الاجماع وعن أي شئ يكون الاجماع وكيف ينقل الاجماع 494
33 فصل ثم اختلف الناس في وجوه من الاجماع 506
34 ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو؟ إجماع الصحابة أم الاعصار بعدهم وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع 509
35 فصل فيمن قال إن الاجماع لا يجوز لأحد خلافه 512
36 فصل وأما من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع 513
37 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما 515
38 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلفت عليها أهل العصر الماضي 515
39 فصل وأما قول من قال إن افترق أهل العصر على أقوال كثيرة 516
40 فصل فيمن قال مالا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبسط الكلام فيما هو اجماع وفيما ليس إجماع 529
41 فصل فيمن قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن يعدم لا يعد خلافا وأن قول من سواه فيما خالفهم فيه إجماع 544
42 فصل في قول من قال قول الأكثر هو الاجماع ولا يعتد بقول الأقل 552
43 فصل: في إبطال قول من قال الاجماع هو إجماع أهل المدينة 552
44 فصل: فيمن قال ان الاجماع هو إجماع أهل الكوفة 566
45 فصل: في إبطال قول من قال أن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع وإن ظهر خلافه في العصر الثاني 566
46 فصل: وأما من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبى حنيفة الخ 572
47 فصل: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع 579
48 فصل: واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء في الاجماع أم لا؟ 580