الاحكام - ابن حزم - ج ٤ - الصفحة ٤٥٩
وجدنا نصا جليا على منسوخ، ووجدنا نصا في ذلك من نهي بعد أمر أو أمر بعد نهي أو نقل من مرتبة إلى مرتبة على ما قدمنا - فقد أيقنا بالنسخ، مثل قوله عليه السلام: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن الانتباذ في الأسقية فانتبذوا وأباح الانتباذ في كل ظرف، ومثل قول جابر: كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، ومثل ما روي أنه رخص في الحجامة للصائم، والترخيص لا يكون إلا بعد النهي، والحجامة هكذا فعل الحاجم والمحجوم معا، فهذان وجهان.
أو نجد حالا قد أيقنا بإبطالها وارتفاعها، وحالا أخرى قد أيقنا بنزولها ووجوبها ورفعها للحال الأولى، ثم جاء نص من قرآن أو حديث موافق للحال المرفوعة التي قد سقطت بيقين، إلا أننا لا ندري هل جاء هذا النص - الموافق لتلك الحال المرفوعة - قبل مجئ الحال الرافعة أو بعدها؟ فإذا كان مثل هذا ففر ض ألا يترك ما أيقنا بوجوبه علينا، وصح عندنا لزومه لنا، وحرم علينا أن نرجع إلى حال قد أيقنا بارتفاعها عنا، وصح عندنا بطلانها إلا بنص جلي راد لنا إلى الحالة الأولى، ورافع عنا الحالة الثانية.
ومن تعدى هذا فقد قفا ما لا علم له به وترك الحق واليقين، واستعمل الشك والظنون، وذلك ما لا يحل أصلا، فكيف وقول الله تعالى: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * وقوله تعالى: * (قد تبين الرشد من الغي) * وقوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي) * شواهد قاطعة بأنه لا يجوز البتة أن يكون الله تعالى تركنا في عمياء وضلالة لا ندري معها أبدا، هل هذا الحكم منسوخ أو غير منسوخ، هذا أمر قد أمنا وقوعه أبدا، إذ لو كان ذلك لكان الدين قد بطل أكثره، ولكننا في شك متصل لا ندري أنعمل بالباطل في نصوص كثيرة من القرآن والسنن، أم نعمل بالحق وهل نحن في طاعات كثيرة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم على ضلال أو على هدى؟ حاشا لله من هذا. فصح يقينا أن كل تيقنا بطلانه فهو باطل أبدا، بلا شك حتى يأتي نص ثابت بأنه قد عاد بعد بطلانه هكذا ولا بد، وإلا فلا، والحمد لله رب العالمين.
فمن هذا الباب ما قد أيقنا من أن إباحة زواج أكثر من أربع نسوة قد ارتفعت، وأن نكاح أكثر من أربع حرام على كل أحد - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيقين، وقد
(٤٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 454 455 456 457 458 459 460 461 462 463 464 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع عشر: في أقل الجمع 391
2 فصل: من الخطاب الوارد بلفظ الجمع 396
3 الباب الخامس عشر: في الاستثناء 397
4 فصل واختلفوا في نوع من الاستثناء 402
5 فصل: من الاستثناء 407
6 الباب السادس عشر: في الكناية بالضمير 412
7 الباب السابع عشر: في الإشارة 412
8 الباب الثامن عشر: في المجاز والتشبيه 413
9 فصل في التشبيه 421
10 الباب التاسع عشر: في أفعال رسول الله (ص) وفى الشئ يراه أو يبلغه فيقره صامتا عليه لا يأمر به ولا ينهى عنه 422
11 باب الكلام في النسخ وهو الموفي عشرين 438
12 فصل: الأوامر في نسخها وإثباتها تنقسم أقساما أربعة 440
13 فصل: في رد المؤلف على القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ: وهذا وجه من وجوه الحكمة 442
14 فصل: في قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسأها) 443
15 فصل اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به؟ 443
16 فصل وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء 444
17 فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه 445
18 فصل فيما يجوز فيه النسخ وفيما لا يجوز فيه النسخ 448
19 فصل هل يجوز نسخ الناسخ 455
20 فصل في مناقل النسخ 456
21 فصل في آية ينسخ بعضها ما حكم سائرها؟ 457
22 فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخا 458
23 فصل ولا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب والناسخة متأخرة فيه 465
24 فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف 466
25 فصل في نسخ الشئ قبل أن يعمل به 472
26 فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 477
27 فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل 483
28 فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي 485
29 فصل في النسخ بالإجماع 488
30 فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس 488
31 الباب الحادي والعشرون: في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه وبين المتشابه في الأحكام 489
32 الباب الثاني والعشرون: في الاجماع وعن أي شئ يكون الاجماع وكيف ينقل الاجماع 494
33 فصل ثم اختلف الناس في وجوه من الاجماع 506
34 ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو؟ إجماع الصحابة أم الاعصار بعدهم وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع 509
35 فصل فيمن قال إن الاجماع لا يجوز لأحد خلافه 512
36 فصل وأما من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع 513
37 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما 515
38 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلفت عليها أهل العصر الماضي 515
39 فصل وأما قول من قال إن افترق أهل العصر على أقوال كثيرة 516
40 فصل فيمن قال مالا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبسط الكلام فيما هو اجماع وفيما ليس إجماع 529
41 فصل فيمن قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن يعدم لا يعد خلافا وأن قول من سواه فيما خالفهم فيه إجماع 544
42 فصل في قول من قال قول الأكثر هو الاجماع ولا يعتد بقول الأقل 552
43 فصل: في إبطال قول من قال الاجماع هو إجماع أهل المدينة 552
44 فصل: فيمن قال ان الاجماع هو إجماع أهل الكوفة 566
45 فصل: في إبطال قول من قال أن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع وإن ظهر خلافه في العصر الثاني 566
46 فصل: وأما من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبى حنيفة الخ 572
47 فصل: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع 579
48 فصل: واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء في الاجماع أم لا؟ 580