الاحكام - ابن حزم - ج ٤ - الصفحة ٤٦٠
جاء حديث بتخيير من أسلم وعنده أكثر من أربع فكان هذا الحديث موافقا لحال ما نسخ من ترك التحريم لزواج أكثر من أربع، وما كان عليه من أسلم وعنده أكثر من أربع، لأنهم نكحوهن وذلك غير محظور عليهم، فلما نزل التحريم خيروا في أربع منهن، وكان من ابتدأ نكح خامسا فصاعدا، وأكثر من أربع معا، أو أختين، أو أم وابنتها بعد نزول تحريم كل ذلك - عاصيا لله عز وجل، وعاملا عملا ليس عليه أمره فهو رد ففعله ذلك كله مردود. وعقده ذلك فاسد مفسوخ محلول غير ماض أصلا، فصح بذلك ارتفاع التخيير، وأنه إنما كان ذلك للذين نكحوا أكثر من أربع قبل أن يحظر ذلك، وأيضا فلو صح تخيير من ابتدأ نكاح خمس في كفر بعد ورود النهي عن ذلك لما كافي ذلك إباحة تخيير من أسلم، وعنده أختان أو حريمتان، ومع ذلك أيضا: أننا قد أيقنا أنه قد كان في صدر الاسلام: إذا نام الرجل في ليل رمضان، حرم عليه الوطئ والأكل والشرب، ثم نسخ ذلك وجاء حديث أبي هريرة عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن من أدركه الصبح وهو جنب فقد أفطر، فكان هذه الحديث موافقا لتلك الحال المنسوخة، وقد أيقنا برفعها وبإباحة الوطئ إلى تبين طلوع الفجر، فلا سبيل إلى الرجوع إلى حظر الوطئ إلا ببيان جلي.
ومن ذلك أننا قد أيقنا بأن الوصية لم تكن مدة من صدر الاسلام فرضا، ثم أيقنا نزول وجوب الوصية للوالدين والأقربين، ثم جاء حديث عمران بن الحصين في الستة الأعبد، فكان هذا الحديث موافقا للحال المرفوعة من ألا يلزم المرء أن يوصي لوالديه وأقربيه فلم يجز لنا أن نرفع به حكم الآية التي أيقنا أنها ناسخة للحال الأولى، ولا جاز لنا أن نرجع إلى حالة قد أيقنا أنها حظرت علينا إلا بنص جلي. إن هذا الحديث كان بعد نزول الآية، وبأن أولئك الأعبد لم يكونوا أقارب الموصي بعتقهم، ولا سبيل إلى وجود بيان بذلك أبدا، وبالله تعالى التوفيق.
فصح أن كل ما كان في معنى الحال المتقدمة - من إباحة ترك الوصية للوالدين والأقربين - منسوخ بيقين، ولم يصح أنه عاد بعد أن نسخ، ولا يحل الحكم بالظنون، وأيضا فقد ملك قوم من العرب أقاربهم، وقد كان هراسة أخا عنترة، واستلحق شداد عنترة، وكان هراسة عبدا لأخيه، وقد كان في نساء الصحابة رضي الله عنهم من باعها عمها أخو أبيها، وهي أم ولد أبي اليسر الأنصاري.
قال أبو محمد: ومن استجاز أن يترك اليقين من الآية المذكورة، بأن يقول: لعل حديث عمران في الأعبد الستة نسخها، فليقنعوا من أصحاب أبي حنيفة بقولهم: لعل حكم
(٤٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 455 456 457 458 459 460 461 462 463 464 465 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع عشر: في أقل الجمع 391
2 فصل: من الخطاب الوارد بلفظ الجمع 396
3 الباب الخامس عشر: في الاستثناء 397
4 فصل واختلفوا في نوع من الاستثناء 402
5 فصل: من الاستثناء 407
6 الباب السادس عشر: في الكناية بالضمير 412
7 الباب السابع عشر: في الإشارة 412
8 الباب الثامن عشر: في المجاز والتشبيه 413
9 فصل في التشبيه 421
10 الباب التاسع عشر: في أفعال رسول الله (ص) وفى الشئ يراه أو يبلغه فيقره صامتا عليه لا يأمر به ولا ينهى عنه 422
11 باب الكلام في النسخ وهو الموفي عشرين 438
12 فصل: الأوامر في نسخها وإثباتها تنقسم أقساما أربعة 440
13 فصل: في رد المؤلف على القائلين - وقد ذكر النسخ وارتفاع اللفظ المنسوخ: وهذا وجه من وجوه الحكمة 442
14 فصل: في قوله تعالى (ما ننسخ من آية أو ننسأها) 443
15 فصل اختلف الناس في النسخ على ما يقع أعلى الأمر أم على المأمور به؟ 443
16 فصل وقد تشكك قوم في معاني النسخ والتخصيص والاستثناء 444
17 فصل في إمكان النسخ ثم إيجابه ثم امتناعه 445
18 فصل فيما يجوز فيه النسخ وفيما لا يجوز فيه النسخ 448
19 فصل هل يجوز نسخ الناسخ 455
20 فصل في مناقل النسخ 456
21 فصل في آية ينسخ بعضها ما حكم سائرها؟ 457
22 فصل في كيف يعلم المنسوخ والناسخ مما ليس منسوخا 458
23 فصل ولا يضر كون الآية المنسوخة متقدمة في الترتيب والناسخة متأخرة فيه 465
24 فصل في نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف 466
25 فصل في نسخ الشئ قبل أن يعمل به 472
26 فصل في نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن 477
27 فصل في نسخ الفعل بالأمر والأمر بالفعل 483
28 فصل في متى يقع النسخ عمن بعد عن موضع نزول الوحي 485
29 فصل في النسخ بالإجماع 488
30 فصل في رد المؤلف على من أجاز نسخ القرآن والسنة بالقياس 488
31 الباب الحادي والعشرون: في المتشابه من القرآن والفرق بينه وبين المتشابه وبين المتشابه في الأحكام 489
32 الباب الثاني والعشرون: في الاجماع وعن أي شئ يكون الاجماع وكيف ينقل الاجماع 494
33 فصل ثم اختلف الناس في وجوه من الاجماع 506
34 ذكر الكلام في الاجماع إجماع من هو؟ إجماع الصحابة أم الاعصار بعدهم وأي شئ هو الاجماع وبأي شئ يعرف أنه إجماع 509
35 فصل فيمن قال إن الاجماع لا يجوز لأحد خلافه 512
36 فصل وأما من قال بمراعاة انقراض العصر في الاجماع 513
37 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما في مسألة ما 515
38 فصل وأما من قال إذا اختلف أهل عصر ما ثم أجمع أهل عصر ثان على أحد الأقوال التي اختلفت عليها أهل العصر الماضي 515
39 فصل وأما قول من قال إن افترق أهل العصر على أقوال كثيرة 516
40 فصل فيمن قال مالا يعرف فيه خلاف فهو إجماع وبسط الكلام فيما هو اجماع وفيما ليس إجماع 529
41 فصل فيمن قال بأن خلاف الواحد من الصحابة أو ممن يعدم لا يعد خلافا وأن قول من سواه فيما خالفهم فيه إجماع 544
42 فصل في قول من قال قول الأكثر هو الاجماع ولا يعتد بقول الأقل 552
43 فصل: في إبطال قول من قال الاجماع هو إجماع أهل المدينة 552
44 فصل: فيمن قال ان الاجماع هو إجماع أهل الكوفة 566
45 فصل: في إبطال قول من قال أن قول الواحد من الصحابة إذا لم يعرف له مخالف فهو إجماع وإن ظهر خلافه في العصر الثاني 566
46 فصل: وأما من قال ليس لأحد أن يختار بعد أبى حنيفة الخ 572
47 فصل: وتكلموا أيضا في معنى نسبوه إلى الاجماع 579
48 فصل: واختلفوا هل يدخل أهل الأهواء في الاجماع أم لا؟ 580