الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤١٠
العبادات وسائر مسائل العقود والايقاعات فلو عقد أو أوقع بصيغة يرى صحتها ثم رجع بنى على صحتها واستصحب أحكامها من بقاء الملكية والزوجية والبينونة والحرية وغير ذلك ومن هذا الباب حكم الحاكم والظاهر أن عدم انتقاضه بالرجوع موضع وفاق ولا فرق بين بقاء حكم فتواه التي فرع عليه الحكم وعدمه فمن الأول ما لو ترافع إليه المتعاقدان بالفارسية في النكاح فحكم بالزوجية أو في البيع فحكم بالنقل والملكية فإن حكم فتواه التي يتفرع عليها الحكم وهي صحة ذلك العقد يبقى بعد الرجوع ومن الثاني ما لو اشترى أحد المتعاقدين لحم حيوان بقول الحاكم بحليته فترافعا إليه فحكم بصحة العقد وانتقال الثمن إلى المشتري ثم رجع إلى القول بالتحريم فإن الحكم بصحة العقد وانتقال الثمن إلى البائع يبقى بحاله ولا يبقى الحكم بحليته في حق المشتري بحاله وهكذا وقد يتخيل أن الحاكم إذا حكم بطهارة ماء قليل لاقاه بنجاسة أو ما أشبه ذلك ثم رجع لم ينتقض حكمه بالطهارة بالنسبة إلى ذلك الماء للاجماع على أن الحكم لا ينتقض بالرجوع وهو غير جيد لان المراد بالحكم هناك ما يتعلق بالدعاوي والمرافعات ولهذا لا يلزم متابعته في الحكم بالطهارة ولو كانت الواقعة مما لا يتعين أخذها بمقتضى الفتوى فالظاهر تغير الحكم بتغير الاجتهاد كما لو بنى على حلية حيوان فذكاه ثم رجع بنى على تحريم المذكى منه وغيره أو على طهارة شئ كعرق الجنب من الحرام فلاقاه ثم رجع بنى على نجاسته ونجاسة ملاقيه قبل الرجوع وبعده أو على عدم تحريم الرضعات العشر فتزوج من أرضعته ذلك ثم رجع بنى على تحريمها لان ذلك كله رجوع عن حكم الموضوع وهو لا يثبت بالاجتهاد على الاطلاق بل ما دام باقيا على اجتهاده فإذا رجع ارتفع كما يظهر من تنظير ذلك بالنسخ وأما الافعال المتعلقة بالموضوع المتفرعة على الاجتهاد السابق فهي في الحقيقة إما من مشخصات عنوان الموضوع كالملاقاة أو من المتفرعات على حكم الموضوع كالتذكية والعقد فلا أثر لها في بقاء حكم الموضوع وربما أمكن التمسك في بقاء الحكم في هذه الصور بلزوم الحرج وارتفاع الوثوق في العمل إلا أن ذلك مع انتقاضه بصورة الجهل والنسيان والتعويل على الظواهر التي ينتقض حكمها عند ظهور الخلاف لا يصلح بمجرده دليلا أما الأول فلان الحرج المقتضي لسقوط التكليف قد يكون شخصيا فيدور سقوط التكليف به مدار ثبوته وقد يكون نوعيا وهذا وإن لم يكن سقوط التكليف به دائرا مدار ثبوته لكن يعتبر تحققه في النوع غالبا وإلا فما من تكليف إلا ويتحقق الحرج على بعض تقاديره وانتفاء الغلبة في المقام معلوم وأما الثاني فوجه استحساني لا ينهض دليلا وإنما تمسكنا بذلك في المقام السابق على وجه التأييد لا الاستدلال ومما قررنا يتضح الحال فيما لو بنى في الفروض السابقة على التحريم أو النجاسة ثم رجع فإنه يبني على مقتضى رجوعه لكن لا يبعد القول ببقاء حكم عمله السابق حينئذ إذا كان مما يعتبر في وقوعه الاخذ بالاجتهاد كما لو بنى على تحريم حيوان فذكاه ثم رجع أمكن القول بتحريمه لا من جهة بقاء حكم الموضوع بل من جهة أن التذكية صدرت منه حال عدم الاعتداد بها في فتواه في التحليل فلا يعتد بها بعد الرجوع للأصل وكذا لو عقد على من يحرم عليه في مذهبه ثم رجع فلا يستحلها بذلك العقد وأما لو بنى على الفتوى ولكن لم يبن عليها في خصوص الواقعة إما لعدم علمه بها أو لعدم تذكره فيها للفتوى كما لو تزوج بمن أرضعته عشر رضعات وهو يقول فيها بنشر الحرمة أو بعدمه ولم يعلم بالواقعة أو لم يتذكر لفتواه فيها إلا بعد الرجوع ففي البناء على مقتضى الفتوى السابقة وعدمه وجهان مبنيان على أن الاحكام المستندة إلى الاجتهاد هل يثبت في حق صاحبه مطلقا أو مع بنائه في مواردها عليها فيعتبر علمه بها مع تذكره لفتواه فيها والثاني أقرب اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين ومما يؤيده أو يدل عليه أن الاحكام الثابتة بالاجتهاد أحكام ظاهرية وهي لا تثبت إلا مع الجهل والغفلة ومما قررنا يظهر حكم التقليد بالمقايسة فإن المقلد إذا رجع مجتهده عن الفتوى أو عدل إلى من يخالفه حيث يسوغ له العدول أو بلغ درجة الاجتهاد وأدى نظره إلى الخلاف فإنه يتصور في حقه الصور المذكورة ويجري فيه الكلام المذكور تتمة إذا أفتى المفتي لمقلديه بحكم ثم رجع ففي وجوب إعلامه إياهم بذلك وجهان بل قولان يدل على الوجوب ظاهر قوله تعالى ولينذروا قومهم وقوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى وأن في ترك إعلامهم إغراء لهم بالجهل و ترك لهم فيما هو باطل عنده ويدل على نفيه الأصل واستناد المقلد في عمله إلى طريق شرعي وهو استصحاب عدم الرجوع فلا يجب ردعه كما لو قلد مجتهدا آخر يخالفه في المذهب وجريان طريقة السلف على الظاهر على خلاف ذلك وتعذره غالبا لانتشار المقلدين ولو قيل بالفرق بين ما لو قطع بالبطلان فيجب الاعلام بقدر الامكان وبين ما إذا لم يقطع به فلا يجب كان قريبا ثم ما يقع من المقلد بين رجوع المفتي وبين علمه برجوعه مما يأتي به على وجه التقليد السابق هل يلحق بما لو وقع منه قبل الرجوع أو لا وجهان وقضية الأدلة التي قررناها في المبحث السابق تعيين الأول ولو سها المجتهد في تعيين مؤدى نظره فعمل بغيره لم يعتد به مطلقا قضاء لحكم الأصل من بقاء الحكم الثابت في حقه بالاجتهاد ولعدم كون السهو من الطرق المعتبرة وكذا لو سها المقلد في الحكم الثابت في حقه بالتقليد ومثله ما لو سها في أصل الاجتهاد أو التقليد ولا يتعين على المقلد حينئذ أن يأخذ بقول من يوافق زعمه السابق للأصل القول في التقليد مقدمة التقليد في اللغة
(٤١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 ... » »»