الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٠٦
فروعها إلى أصولها ولا نعني بالمجتهد والفقيه إلا هذا المعنى ثم لو سلم عدم ثبوت الانحصار فلا سبيل إلى إثبات التعميم غاية الامر احتمال الامرين وقضية الأصل وما مر من الوجوه الاقتصار على مورد اليقين فصل لا خلاف في عدم تصويب المختلفين في العقليات مطلقا بمعنى عدم مطابقة آرائهم جميعا للواقع لأدائه إلى وقوع المتناقضين أو المتنافيين في الواقع ولا فرق في ذلك بين ما تعلق منها بالشريعة وبين ما لا يتعلق بها وإن اختلفوا في تأثيم المخطئ منهم في الأول كالمخطئ في أصول الاسلام فالأكثر على أن المخطئ فيه مأثوم وخالف فيه الجاحظ وأبو عبد الله العنبري فذهبا إلى نفي الاثم واحتج الأولون بأنه مكلف بالعلم بدليل قوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله فلا بد أن يكون قد نصب عليه دليل قاطع وإلا لكان تكليفا بالمحال فغير الواقف عليه منهم مقصر فلا يخرج عن عهدة التكليف واعترض بأن الخطاب في الآية إلى الرسول وهو بوفور عقله وقوة حدسه متمكن من تحصيل العلم ولا دليل على تعميمه إلى غيره وأجيب بأن آية التأسي دليل على تعميم الحكم إلى غيره صلى الله عليه وآله ويشكل بأن حكم التأسي إنما يثبت في حق القادر كما في غيره من الاحكام والمقصود إثبات حصول القدرة بالآية وليس لها دلالة عليه ولو احتجوا بإطلاق قوله تعالى آمنوا بالله ورسوله و نحوه مما يدل على وجوب الايمان مطلقا كان أولى وأولى من ذلك قوله تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا حيث يدل على تقصير غير المهتدي في المجاهدة والأظهر أن يحتج على ذلك بأنا نرى أدلة المعارف الخمس بالوجدان والعيان واضحة جلية بحيث لا يكاد يشتبه الحال فيها على منصف سلمت فطرته عن الفساد و العصبية وهو قضية الحكمة الإلهية الداعية إلى خلق هذا النوع و تكليفهم بالوظائف الشرعية والنواميس الدينية فإن ذلك لا يتم مع خفاء البرهان الموصل إلى الايمان والاذعان مع ما نرى من قصور أكثر الناس عن إدراك المدارك الخفية وتحصيل المطالب الدقيقة وعلى هذا فالمخطئ مقصر لا محالة لكنه لا يكون آثما إلا إذا تفطن التقصير ولو بطريق التجويز والاحتمال كما هو الغالب وأما المختلفون في الأحكام الشرعية الفرعية من التكليفية والوضعية فإن كان عليها دليل قاطع فلا خلاف في تخطئة المخالف فيها وإن لم يكن عليها دليل قاطع بل كانت المسألة اجتهادية فقد أطبق أصحابنا إلى عدم إصابة الكل فيها أيضا وخالف فيه جماعة من مخالفينا فقالوا بإصابة الجميع ومرجع النزاع إلى أنه هل لله تعالى في كل واقعة لا قاطع عليها حكم مخصوص يجب على المجتهد أن يطلبه ويبذل وسعه في تحصيله فإن أصابه فقد أصاب وإلا فقد أخطأ أو لا بل أحكامه تعالى في تلك الوقائع تابعة لآراء المجتهدين فما أدى إليه أنظارهم وانتهى إليه أفكارهم فهو في حكمه تعالى في حقهم واقعا ليس إلا فلا يتصور فيهم مخطئ أصلا وتصوير هذا على تقدير عدم قيام قاطع على الواقعة أصلا واضح وأما على تقدير قيامه عليها في الجملة كالاجماع المركب بناء على حجيته كان المستفاد منه أن حكم الواقعة عند الشارع مغاير لما يخالفه من غير تعيين لما لا يخالفه في حال الامر في التعيين إلى نظر المجتهد ويكون مصيبا فيه ولو أدى نظره إلى ما يخالفه كان مخطئا ثم اختلف القائلون بالتصويب فذهب كثير منهم على ما قيل إلى أنه وإن لم يكن في الواقعة حكم إلا أن فيها ما لو كان حكم الشارع فيها لحكم بمقتضاه يعني مع قطع النظر عن نظر المجتهد وهذا قريب إلى القول الأول بالتخطئة بل ربما كان راجعا إليه ومنهم من أنكر ذلك أيضا ثم من المخطئة من ذهب إلى أن لله تعالى في كل واقعة حكما معينا قد نصب عليه دليلا قاطعا واختلف أصحاب هذا المذهب في المخطئ فيه فذهب كثير منهم إلى أن المخطئ فيه بعد بذل وسعه وإعمال نظره معذور ونقل عن بشر المرسي أنه آثم مستحق للعقاب والمعروف بين المخطئة أنه ما من واقعة إلا وفيها حكم معين وأنه ما من حكم إلا وقد نصب عليه دليل إما حجة قاطعة أو أمارة ظنية وأن المجتهد لم يكلف بالإصابة في الظني لخفاء الطريق وغموضه وقال قوم هو مأمور بطلبه فإن أخطأ أو غلب على ظنه غيره انقلب التكليف وصار مأمورا بالعمل بمقتضى ظنه واتفق الفريقان على معذورية المخطئ فيه بل صرح كثير منهم بأن للمصيب أجرين و للمخطئ أجرا واحدا لما تحمله من الكد والمشقة والتحقيق أن الله تعالى في كل واقعة حكما معينا مخزونا عند أهله وهم أهل العصمة عليهم السلام فالمجتهد إن أدركه فقد أصاب وإلا فقد أخطأ وأنه غير آثم في خطائه بعد بذل وسعه وإن كان عليه دليل قاطع إذا لم يصادفه أو لم يكن عنده قاطعا ولو لشبهة سبقت إليه وأنه لا يلزم أن يكون عليه دليل ظني في الظاهر فضلا عن القطعي لنا على أصل التخطئة وجوه منها إجماع أصحابنا الامامية على ذلك وقد تقرر في محله أنه حجة قطعية لكشفه في مثل المقام عن قول الحجة وأيضا قد أجمع الصحابة والتابعون على تخطئة المخالف وقد نقل عنهم ذلك بطريق متواتر أو قريب منه واحتمال أن يكون تخطئتهم من حيث عدم استجماعهم للشرائط من عدم أهلية الاجتهاد أو التقصير في النظر أو مخالفة القاطع مردود بأن ذلك محكي عن أكابر مخالفينا في موارد لا قاطع فيها غالبا وهم لا يلتزمون في حقهم بعدم الأهلية والتقصير فتدبر ومنها تواتر الاخبار المروية عن الأئمة الأطهار عليهم السلام الدالة على أن لله في كل واقعة حكما معينا بينه لنبيه و بينه نبيه لوصيه إلى أن ينتهي البيان إلى آخر الأوصياء فجميع الاحكام محفوظة عنده مخزونة لديه حتى مثل أرش الخدش فما دونه و هذه الأخبار وإن كانت واردة بعبارات
(٤٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»