الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٤٠٢
الامامية في زمن الغيبة وخفاء الحجة فهو إما من البدع المستحدثة و الطرق المخترعة التي يجب التجنب عنها في أمر الشريعة أو أنه مما لا حاجة إليه في معرفة الاحكام وإلا لما أهمل بيانه أهل العصمة عليهم السلام والجواب أن جملة من مباحث الأصول كانت واضحة في ذلك الزمان غنية عن البيان كجملة من مباحث الأمر والنهي والعام و الخاص والمطلق والمقيد لكونهم من أهل العرف والاستعمال عارفين بطرق المقال مستغنين عن البحث والجدال في ذلك المجال ومنها ما يختص الحاجة إليه بالمتأخرين عن زمن الظهور كالبحث عن حجية ظن المجتهد عند تعذر طريق العلم والطرق العلمية عليه و منها ما يقل الاحتياج إليه ويندر التعويل عليه كمسألة الحقيقة الشرعية وتعارض العرف واللغة وربما كان في البيان الواصل إليهم ما فيه غنية عنه وكفاية ومنها ما هو مشترك الحاجة بين جميع الفرقة مبين في كلام أهل العصمة كحجية الكتاب والسنة وجملة من المدارك الفقهية ووجوه الترجيح عند تعارض النقلة وحكم النسخ الوارد في السنة أو القرآن وتحريم العمل بالقياس والاستحسان إلى غير ذلك مما يصادفه المتتبع العارف والأقدمون وإن اقتصروا على تدوين أخبار هذه المباحث كما هو طريقتهم في علم الفقه وعلم الأخلاق إلا أن المتأخرين عنهم لما خفي عليهم جملة من الآثار و تزاحمت عندهم الأفكار وكثر إليهم وصول الخلاف والاختلاف و احتاجوا إلى تدوين تلك المباحث في فن مستقل والبحث عن صحيح تلك الأخبار وفاسدها وذكر بقية الشواهد التي عثروا عليها و الاعتبارات التي تنبهوا لها وأضافوا إلى تلك المباحث مباحث أخر مست حاجتهم إلى البحث عنها فلم يزل يزداد تحريرا وتدقيقا ويتزايد تنقيحا وتحقيقا ويكثر من جهة ذلك إشكالا ويصعب تحصيلا لتعميق الأعاظم فيه النظر وصرف الأفاضل فيه الفكر حتى انتهت النوبة إلى جماعة قصر باعهم عن الوصول إلى مبادي تلك الخيالات وانتهى نظرهم دون البلوغ إلى نهاية تلك التحقيقات وعظم عليهم الاعتراف بأن فيهم قصورا فرموا به البري ظلما وزورا وليت شعري كيف يجوز من له أدنى درية ومسكة أن يكون المباحث الدائرة بين النفي والاثبات بكلا شقيها فاسدة وباطلة وبالجملة فمن زعم أن علم الأصول شطط من القول أو فضول فقد قصر نظره عن الوصول إلى حقيقته ولم يساعد وسعه على العروج إلى ذروة معرفته فعجزه دعاه إلى الاعراض عما أهمله فهو كما قيل المر عدو لما جهله وربما كان الباعث في حق بعضهم حب الانفراد وإظهار الخروج عن تبعية التقليد بالوصول إلى مقام الاستبداد ليكون مرحبا للعباد ومحلا للاعتماد ولقد أطال الكلام بعض علمائنا الاعلام في إبرام النقض عليهم ونقض الابرام ولعمري إن وضوح المقام وظهور المرام يغني عن كلفة البحث لذوي البصائر والأفهام منها معرفة أحوال الرجال ولو بالرجوع إلى النقلة في الكتب المعتمدة لان أخبارنا المدونة في الكتب الأربعة وغيرها ليست بأجمعها معتبرة فيتوقف معرفة ما هو معتبر في نفسه وما ليس بمعتبر كذلك عليه وكذلك يتوقف عليه معرفة ما هو أرجح من حيث السند مما ليس كذلك في صورة التعارض ومن زعم من الفرقة المذكورة آنفا أن أخبار الكتب الأربعة قطعية الصدور عن الأئمة عليهم السلام و أن السبب في تعارضها ليس إلا التقية فلا حاجة إلى العلم المذكور فقد جاء بما يخالف العيان ويكذبه كل مستقيم الذوق والوجدان إذ مرجع كلامه إلى دعوى القطع بعصمة النقلة في نقلهم عن الكذب و السهو والنسيان مع ما يرى من كثرتهم واشتهار كثير منهم بقلة الضبط أو بالفسق والعدوان أو تعدد الوسائط والطبقات في البين و تطاول العهود والأزمان وهل هذا إلا بهت وعناد وتعلم عن مسلك الحق ومنهج السداد ولا بأس بالتنبيه على ما تمسكوا به على ذلك و هي شبه عديدة واهية منها تعاضد بعض أخبارنا ببعض وفيه أن التعاضد الموجب للقطع مع قطع النظر عن ملاحظة السند مما يندر حصوله في الاخبار جدا ونحن لا ندعي الحاجة إلى علم الرجال بالنسبة إليه بل إلى غيره ومنها نقل الثقة العالم الورع له في كتابه المؤلف للارشاد وفيه إن أراد بالناقل الثقة المشافه للإمام عليه السلام فبعد تسليم حصول العلم باتصافهم كلا بالأوصاف المذكورة وحصول العلم بروايتهم أن كتبهم لم تصل بأعيانها إلى أرباب الكتب الأربعة بل بواسطة النقلة وفيهم الفطحي و الواقفي والكذاب ووضاع الحديث وغير ذلك مضافا إلى اختلاف النقلة في نقل جملة من كتب الرواة فذكر النجاشي في ابن أبي عمير أن نوادره كثيرة مختلف باختلاف الرواة وذكر في محمد بن عذافر أن له كتابا تختلف الرواة فيه وذكر أيضا مثله في محمد بن الحسن بن الجهم وحسن بن صالح الأحول وحسين بن علوان وإن أراد به مثل الكليني والصدوق والشيخ ففيه أن بينهم وبين الامام وسائط عديدة ولا علم لنا بعدم تعويل الثقة منهم على الرواية التي لا يعلم بصحة صدورها إن لم يعلم بخلافه مع أن علمه بذلك لا يستلزم علمنا به وكون التأليف للارشاد لا ينافي ظنيتها إذ لا محيص عن العمل بتلك الأخبار ظنية كانت أو قطعية ولهذا نقلها المتأخرون في كتبهم الاستدلالية الموضوعة للارشاد ومع اعتراضهم بظنيتها على أن هذا الوجه لا يوجب الاستغناء عن علم الرجال أو الاطلاع على وثاقة الراوي لا يتحقق غالبا إلا به ومنها توثيق الإمام عليه السلام للرجل والامر بالرجوع إليه وفيه أن توثيقه عليه السلام منقول بخبر الواحد بوسائط متعددة ولا علم لنا به سلمنا لكن يجوز أن يكون توثيقه عليه السلام مبنيا على الظاهر كما هو الظاهر
(٤٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 ... » »»