الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٩٨
حجية ظنه فيها فإثبات حجيته بالرواية دور وأجاب الفاضل المعاصر عن هذا الاشكال بأن أصحابنا قد استدلوا بمقبولة عمر بن حنظلة على جواز عمل المجتهد المطلق بظنه والتحاكم إليه وظاهرها اعتبار العلم بالحكم كظاهر هذه الرواية والخطاب الشفاهي وإن كان مخصوصا بالحاضرين لكن الغائبين مشاركون معهم في أصل التكليف فإذا تعذر في حق الغائبين الرجوع إلى العالم بالأحكام تعين عليهم الرجوع إلى الظان بها فكما أن الظان بجميع الاحكام يقوم مقام العارف بالجميع المعتبر في رواية عمر بن حنظلة كذلك الظان للبعض يقوم مقام العالم بالبعض المعتبر في رواية أبي خديجة لا يقال الأصل حرمة العمل بالظن خرج ظن المجتهد المطلق بالاجماع فيقوم مقام العلم ويبقى ظن المتجزي مندرجا تحت الأصل لأنا نقول إن الاجماع وإن انعقد على حجية ظن المجتهد المطلق إلا أنه لا إجماع على تعيينه لوقوع الكلام في أنه هل هو الأصولي أو الاخباري أو من له الطريقة الوسطى فذهب إلى كل فريق وكل من هؤلاء يخطئ طريقة صاحبه فغاية ما في الباب تعيين أحد هذه الطرق بالظن فيكون حجية ظنه ظنية على أن هذا خروج عن الاستدلال بالرواية وتمسك بالأصل والكلام إنما هو على تقدير التمسك بها هذا مع أن أصحاب الأئمة عليهم السلام لم يكونوا عالمين بجميع الاحكام بل كثيرا ما كانوا يعولون فيها على الظن كما يظهر من تعويلهم على خبر الواحد وعند تعارض الاخبار على التراجيح الظنية فيتعين حمل العلم والمعرفة في الروايتين على ما يشتمل الظن ليتناول الرجوع إليهم في ظنياتهم انتهى محصلا أقول المعروف بين الأصحاب الاحتجاج بهذه الرواية على كون الفقيه المستجمع لشرائط الفتوى منصوبا عاما وأما أن ظنه يقوم مقام العلم عند تعذره فيجوز له العمل به حينئذ فلم أقف على من يستدل عليه بهذه الرواية نعم احتجاجهم بها على الامر الأول مع ملاحظة كون أكثر الاحكام في حقه ظنية ربما يدل على التزامهم بالامر الثاني فلعل الفاضل المذكور نسب ذلك إلى أصحابنا مراعيا لهذا الاعتبار وأنت خبير بما فيه أما أولا فلان الدليل على قيام رجوع المقلد إلى الظان مقام رجوعه إلى العالم عند تعذره إما عقلي مبني على ملاحظة انسداد سائر الطرق عليه وبقاء التكليف أو غير ذلك ولا تعلق لهذه الرواية به وإن أريد الاحتجاج بها على إثبات أصل وجوب الترافع إلى العالم بالحكم ليترتب عليه وجوب الترافع إلى الظان به في أمثال زماننا بقاعدة انسداد باب العلم وبقاء التكليف ففيه أنه لا حاجة في إثبات أصل الحكم إلى التمسك بهذه الرواية الضعيفة والاعتذار عن ضعفها بالانجبار بالقبول بل الكتاب والاخبار المعتبرة والاجماع بل الضرورة دالة على ذلك فكان الاحتجاج بها أسد وأولى بل التحقيق أن الظاهر من هذه الرواية والظاهر أنه هو الذي فهمه الأصحاب منها أنه عليه السلام نصب من كان عالما بالأحكام بالكيفية المقررة حاكما وأمر بالترافع إليه في الحكومات والظاهر أن العلة في عموم نصبه عليه السلام تعذر الترافع إليه غالبا أو تعذر نصبه حكاما على الخصوص لمكان التقية وكثرة الشيعة وتفرقهم في البلاد وحينئذ فتسرية حكم النصب إلى أمثال زماننا إما من جهة مساعدة مساق الرواية على ذلك واستفادة العموم منها وإن قلنا باختصاص الخطاب بالمشافهين كما في نظائر المقام أو لتحقق العلة الباعثة على عموم النصب بل هي في حقنا أولى وأما أن ظنون المجتهد معتبرة عند انسداد باب العلم كلا أو بعضا فهو أمر آخر لا تعلق له بالقدر المنقول من الرواية نعم لها ذيل يستفاد منه اعتبار مطلق الظن بصحة الصدور وظنون خاصة في ترجيح الاخبار المتعارضة وهذا ليس له تعلق بمحل البحث أما ثانيا فلان الحكم الثابت بالظن الذي قام على حجيته قاطع كظن المجتهد المطلق قطعي ولا يقدح كونه ظاهريا لان إطلاق الحكم على الحكم الظاهري حقيقة كالواقعي ضرورة أنهما مما حكم بهما الشارع في الواقع غاية ما في الباب أن حكمه بأحد الحكمين مسبب عن خطأ المجتهد والاخر مشروط بإصابته له والاحكام المسببة عن أسباب خارجية كثيرة كالنذور والكفارات وليس في شمول الحكم لها توسع أصلا فلا فرق بيننا وبين المشافهين للمعصوم في العلم بما يطلق عليه الحكم الشرعي حقيقة فلا باعث على صرف العلم و المعرفة في الروايتين عن ظاهرهما وبهذا يتضح بقاء الاعتراض و سقوط الجواب وأما التشكيك الذي أورده على تعيين المجتهد المطلق فضعفه ظاهر لان الاجماع منعقد على أن من كان له ملكة معرفة الاحكام واستنباطها عن الأدلة المقررة على وجه يعتد به في عرف الصناعة واستجمع لبقية الشرائط مجتهد مطلق يجب عليه العمل بمقتضى نظره أصوليا كان أو أخباريا أو متوسط الطريقة إذ عند التحقيق لا فرق بين هذه الفرق الثلاث إلا من جهة الاختلاف في جملة من الطرق كمصير الأخبارية إلى عدم حجية الكتاب والعقل وحجية جميع أخبار الكتب الأربعة وعدم الاعتداد بكثير من الدلالات الخفية ونحو ذلك ومصير الأصوليين إلى خلاف ذلك ولا ريب أن مثل هذا الاختلاف موجود بين كل فرقة من هذه الفرق الثلاث كاختلاف الأصوليين في حجية خبر الواحد وأنواعه والاستصحاب والاجماع المنقول والشهرة والمفاهيم ونحو ذلك فالاختلاف الذي بينهم ليس بأقل من الاختلاف الذي بينهم وبين الأخباريين إلا أنهم لم يصطلحوا في هذا الاختلاف على تسمية صاحب كل قول باسم مخصوص كما اصطلحوا هناك وهذا لا مدخل له في مرحلة الحجية فما ذكره من أن كل فرقة من الفرق الثلاث تخطئ لطريقة غيرها إن أراد أنها تخطؤه ولكن تقول بحجية نظره في حقه وحق مقلديه فهذا لا ينافي
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»