الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٩٩
كون الموضوع إجماعيا وإن أراد أنها تمنع من حجية نظره في حقه و حق مقلديه فتمنع من الرجوع إليه فبطلانه غير خفي على العارف بالطريقة نعم يقدح في بلوغ بعض الأخبارية مرتبة الاجتهاد و الاستنباط لعدم الاعتداد بنظره واستنباطه فيمنع من الرجوع إليه و مثله قد يتفق بين الأصوليين أيضا وهو أمر آخر لا تعلق له بالمقام حجة القول بالمنع وجوه منها الحجة التي حكيناها عن المانعين من إمكانه وهي الحجة المعروفة عنهم في المقام ولو تمت لدلت على نفي إمكان التجزي والتزام المانعين به بعيد وكيف كان فقد تقدم الجواب عنها فلا نطيل الكلام بإعادته ومنها استصحاب بقاء ما كان وظيفته قبل التجزي من التقليد وإن لم يقلد وباستصحاب الاحكام الثابتة في حقه بالتقليد للقطع بثبوتها قبله فتستصحب حال التجزي إذ لا قطع بارتفاعها به وهذه الحجة مبنية على القول بحجية الاستصحاب و لو عند الشك في قدح العارض ولا يقدح فيه ما حققناه في مبحث الاستصحاب من أن الاستصحاب إنما يعتبر فيما إذا كان قضية الشئ المستصحب عادة أو شرعا بقاءه لولا طرو المانع أو منع الطاري إذ يمكن القول بأن المقام منه فإن قضية ثبوت التقليد أو الاحكام الثابتة به شرعا بقاؤه إلى أن يتحقق الرافع له من البلوغ إلى المرتبة المعتبرة من الاجتهاد فيستصحب البقاء عند الشك في حصول الرافع لا يقال إنما انعقد الاجماع على جواز تقليد غير المطلق و المتجزي فإذا زال الوصف زال موضوع الحكم الثابت بالاجماع وليس من مقتضى هذا الحكم بقاؤه بعد زوال الموضوع حتى يتجه فيه التمسك بالاستصحاب لأنا نقول الذي يظهر من مقالة القائلين بجواز التجزي أنهم إنما يقولون به من جهة قيام الدليل عليه وإنه لولاه لالتزموا ببقاء حكم التقليد في حقه فلا يكون لبقاء الوصف مدخل في كون حكم التقليد عندهم مما من شأنه البقاء لولا الرافع ولا يقدح كون مستندهم في الحكم بالبقاء على تقدير عدم الدليل على الخلاف هو الاستصحاب إن ثبت لان مستندنا هو الاجماع لا دليل الاجماع ولو منع من تحقق الاجماع على الوجه الذي قررنا فلا ريب في تحقق الشهرة القوية القريبة منه عليه وهي مفيدة للظن فيكفي في إثبات المنع كما سنشير إليه هذا ويمكن النقض على الأول بالمتجزي المتسافل عن درجة الاجتهاد المطلق بل قضية الاستصحاب هنا حجية نظره للشك في ارتفاعها بالتسافل وعلى الثاني بالمتجزي الذي وافق نظره لنظر المجتهد إذا رجع المجتهد ولم يرجع ويمكن دفع الأخير بأن ثبوت الحكم من حيث التقليد غير ثبوته من حيث الاجتهاد ولا ريب في انتفاء الأول بالرجوع فيحتاج إثبات الثاني إلى دليل ولا أثر للاستصحاب فيه ويتوجه على عكس الدليل عدم شموله لمن بلغ متجزيا إذ لم يجب عليه قبل البلوغ شئ منهما ليستصحب ولا ينافيه القول باستحباب التقليد في حق الصبي للقطع بارتفاعه بالبلوغ لوضوح تضاد الاحكام اللهم إلا بالنسبة إلى الاحكام التي يستحب التقليد فيها للمكلف فيمكن التمسك فيها بالاستصحاب مع احتمال عدمه بناء على أن الاستحباب الثابت قبل البلوغ مغاير لما ثبت منه بعده وأن الخطاب المفيد لأحدهما مغاير للخطاب المفيد للاخر ولا سبيل في المقامين إلى التمسك بالاجماع المركب في طرد المنع لانقلابه بإمكان التمسك به في طرد الجواز مع أن حجيته في الاحكام التي مبناها على الظاهر غير ظاهرة كما نبهنا عليه في محله ومنها أن المتجزي غير عالم بالحكم الشرعي إذ لا قطع له بحجية مؤدى ظنه فظنه كالشك والوهم في عدم الاعتداد به عقلا فشأنه الرجوع إلى المجتهد المطلق العالم بالأحكام لان ذلك وظيفة الجاهل ويشكل بمنع كلية الكبرى إذ لا إجماع على رجوع مثل هذا الجاهل فإن احتج بعموم قوله تعالى فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون لتوجه عليه أولا أن المستفاد من سياق الآية على ما ذكره البعض سؤال العلماء أو علماء اليهود عن كون الرسل الموحى إليهم رجالا وعدم كونهم ملائكة كما كان يتوهمه بعض الكفار وثانيا أن أهل الذكر مفسر في أخبار أهل الذكر بالأئمة عليهم السلام على وجه يظهر منها الحصر حتى استدل عليه في بعضها بأن الله تعالى قد سمى نبيه صلى الله عليه وآله ذكرا في قوله تعالى ذكرا رسولا فأهله أهل الذكر فيجب تنزيل الآية على ذلك لو قدر ظهورها في المعنى الأول ودعوى أن المستفاد منها على هذا التقدير أو التقدير الأول وجوب رجوع كل جاهل إلى العالم في محل المنع وثالثا أن السائل كما يجاب بذكر الفتوى على تقدير كونه عاميا كذلك يجاب بنقل الرواية على تقدير كونه مجتهدا وليس في الآية ما يعين الأول في حق المتجزي مضافا إلى ما مر من أنه خطاب إلى المشافهين وقد عرفت الحال بالنسبة إليهم ووجود الفارق بيننا وبينهم ومنها أن صحة اجتهاد المتجزي في المسائل مبنية على صحة اجتهاده في جواز التجزي وصحة اجتهاده في جواز التجزي مبنية على صحة اجتهاده في المسائل لأن جواز التجزي من جملتها وببيان آخر يبتني حجية ظنه في جواز التجزي على حجية ظنه مطلقا وهي تتوقف على حجية ظنه في جواز التجزي ورجوعه في جواز التجزي إلى فتوى المجتهد المطلق يوجب خلاف الفرض إذ المقصود إلحاقه بالمجتهد أولا و بالذات لا ثانيا وبالعرض والجواب أن المقصود صحة اجتهاده في مسائل الفقه وهي مبنية على صحة اجتهاده في مسائل الأصول غاية ما في الباب أن يعتبر كونه مجتهدا مطلقا في مسائل الأصول ليعتبر اجتهاده في مسألة جواز التجزي ولا يلزم من كونه مجتهدا مطلقا في الأصول أن يكون مجتهدا مطلقا في الفقه لتغاير العلمين نعم لو كان متجزيا في الأصول توجه إشكال الدور إلى
(٣٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 ... » »»