الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٠٦
الاذن في الاتيان بذلك العمل بل غاية ما يستفاد منها الاخبار بسعة فضله وكرمه تعالى وأنه يتطول على عباده بما يرجون منه من المثوبة وهذا لا يقتضي أن يكون ما تضمنه الخبر من الطلب صحيحا حتى يثبت به الدعوى بل لا يفيد إباحة الفعل فضلا عن استحبابه إذ الحكم الشرعي يتوقف على صدور الخطاب ولا يكفي فيه مجرد ترتب الثواب والجواب أما أولا فلان مساق تلك الأخبار ينادي بالترغيب إلى ذلك العمل كما لا يخفى على من كان له أدنى خبر بالمحاورات ولهذا يفهم استحباب كثير من الافعال بالاخبار الدالة على ما يترتب عليه من الأجر والثواب وأما إنكار دلالة ذلك على الاذن فأوضح فسادا إذ لا يعقل ترتب الثواب على عمل لم يؤذن فيه و تجويزه يؤدي إلى تجويز ترتب الثواب على ارتكاب المعاصي وتناول المحرمات وهو مناف للقواعد العدلية فإن قلت قد ورد في حق حجام حجم النبي صلى الله عليه وآله فابتلع ما مصه من الدم أنه صلى الله عليه وآله نهاه عن ذلك وأخبره بأنه قد حرم بذلك جسده على النار فكيف جاز ترتب هذه الفائدة الجليلة وهي من أعظم المثوبات على ابتلاع دمه صلى الله عليه وآله وهو محرم بدليل نهيه عن ذلك قلت بعد تسليم الرواية إن تلك الفائدة إنما ترتب على ابتلاعه قبل وقوع النهي والظاهر أنه قصد التبرك بذلك ولم ينتبه لتحريمه فلم يكن فعله محرما في الظاهر بل ربما كان مندوبا لظنه ذلك ولو سلم تحريمه في حقه فيمكن أن يكون المثوبة مترتبة على ما يترتب على الابتلاع من انتشار الدم في البدن وصيرورته منه لا على نفس الابتلاع فلا ينافي تحريمه لامكان نيل السعادة بشئ مع العصيان بفعل مقدمته والعقوبة لا تنحصر في التعذيب بالنار هذا وإن أراد المورد أن الحكم الشرعي بأنواعه يتوقف على ورود خطاب لفظي به فحيث لا يتحقق الخطاب اللفظي لا يتحقق حكم أصلا لم يلزمه تجويز ترتب الثواب على المحرمات لكن يتوجه عليه منع التوقف كما سيأتي بيانه في محله وأما ثانيا فلانه إذا ثبت بهذه الاخبار ترتب الثواب على العمل تناوله عموم الخطابات الدالة على الامر بالاستباق إلى الخيرات والمسارعة إلى المغفرة والجنة إذ لا ريب في أن ما يترتب عليه الثواب مندرج في الخيرات والثواب الذي بتضمن الخبر ترتبه على العمل قد يكون مغفرته تعالى أو دخول الجنة وأما ما يستلزم دخولها من نيل ما فيها حور أو قصور فيتناوله الامر بالمسارعة مع أن عموم قوله تعالى أن الحسنات يذهبن السيئات يقتضي تحقق المغفرة ولو في الجملة في جميع الطاعات الثالث أنها على تقدير تسليم دلالتها على الاستحباب إنما يدل عليه في الخبر المشتمل على ذكر ثواب على عمل فلا يتناول الاخبار الخالية عن ذكر الثواب ولا ما لا يكون عملا بل تركا كما في المكروه والجواب أن بلوغ الثواب أعم من الصريح وغيره والخبر المفيد للرجحان مفيد لترتب الثواب فيشمله الرواية و العمل والشي أعم من الفعل والترك ولهذا كان قوله تعالى لا يضيع عمل عامل منكم شاملا للأعمال الوجودية والعدمية وبهذا الاعتبار صح عد الصوم من الأعمال والسر فيه أن الترك ما لم يقرن بقصد القربة لا يترتب عليه الثواب كالفعل وإذا اقترن به عد في العرف عملا ولو سلم فالمناط منقح والاجماع المركب ثابت فالمناقش بمنع العموم مباهت الرابع أن عموم هذه الأخبار يعارض عموم منطوق آية النبأ معارضة العامين من وجه فإن رجحنا عموم الآية لكونها أقوى في الحجية وإلا فلا أقل من التساوي فيتساقطان فلا يبقى دليل على الحجية والجواب أن تناول أخبار الباب لخبر الفاسق أقوى من تناول آية النبأ الثواب لان المطلقات التي تقع في سياق العموم كالرجل في قولك من أكرم رجلا فله كذا تفيد العموم تبعا لألفاظ العموم للتلازم فإن قضية شمول العام المقيد بمطلق أفراده هناك شمول المطلق لافراده لا محالة مضافا إلى اعتضاد عموم الاخبار بالشهرة وبظاهر العقل كما عرفت وينبغي التنبيه هنا على أمور الأول يظهر من بعض الأصحاب أنه إنما يتسامح في أدلة السنن إذا كان مشروعية أصل العمل معلوما كالصلاة فإن رجحانها في نفسها معلوم فيتسامح في إثبات رجحانها في خصوص مورد دل الخبر الضعيف على استحبابها فيه قال في المعتبر بعد أن أورد رواية عمار الدالة على أن المنفرد إذا أذن وأقام ثم أراد الجماعة أعادهما أن مضمونها تكرار الأذان والإقامة وهو ذكر الله وذكر الله حسن على كل حال انتهى وفيه إيماء إلى اختياره ما ذكرناه ولا يخفى ما فيه فإن الحكم برجحان خصوصية من غير دليل تشريع كالحكم برجحان أصل العمل بدونه فإن اعتمد في ذلك على هذه الأخبار فنسبتها إلى المقامين سواء الثاني سرى بعض الأصحاب أمر التسامح إلى الاكتفاء بفتوى الفقيه المعتبر قال في المعتبر بعد أن نقل عن أبي الصلاح كراهة الصلاة إلى إنسان مواجه أو باب مفتوح ما لفظه هو أحد الأعيان فلا بأس باتباع فتواه انتهى ويمكن إدراج عموم الروايات المتقدمة و أما الفقيه الغير المعتبر كالفقيه العامي فينبغي القطع بعدم الاعتداد بفتواه وفي سراية حكم التسامح إلى العمل بما رواه المخالفون في كتبهم عن النبي صلى الله عليه وآله أو أحد المعصومين مع عدم انجباره بعمل الأصحاب وجهان الثالث لا يثبت السنن عندنا بالقياس والاستحسان لعموم الأدلة المانعة عن العمل بهما وبما يظهر من عبارة المدارك الميل إلى ثبوتهما بذلك فإنه بعد أن أورد الرواية الدالة على كراهة الصلاة إذا كان بين يدي المصلي مصحف مفتوح قال وألحق الشيخ به كل مكتوب ومنقوش وهو جيد للمسامحة في أدلة السنن وإن كان للمناقشة في هذه المعاني المستنبطة مجال انتهى ولا يخفى ضعفه فإن الاستحباب حكم شرعي فلا يجوز الافتاء به من غير مستند معلوم الاعتبار والأدلة الناهية عن القول على الله بما لا يعلم شاملة لذلك وقد عرفت أن الدليل إنما قام على التسامح من حيث السند فلا يتعدى إلى غيره وعند التحقيق إطلاق التسامح هنا مبني على التسامح إذ لا مسامحة حقيقة بعد وجود الدليل القطعي ولو في الظاهر على قبول مطلق الخبر ولو تمسك هناك على الكراهة بفتوى الشيخ كان متجها كما عرفت الرابع الكراهة التي تثبت في صورة التسامح هو مجرد ترتب الثواب على الترك لا ترتب
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»