الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٠٣
في موافقته له في المذهب وقضية الوجه الأخير كونه إماميا وفيه ضعف ولا يقدح في ذلك أنهم كثيرا ما يوثقون الرجل ثم ينسبونه إلى بعض المذاهب الفاسدة كما فعلوا ذلك في جماعة من الفطحية و الواقفية وغيرهم لان ذلك بمنزلة القرينة على إرادة خلاف الظاهر منه ومن هنا قد يقع التعارض بين توثيق بعض وتصريح آخر بأنه من غير الامامية كما في داود بن حصين فإن النجاشي أطلق توثيقه و الشيخ صرح بأنه من الواقفية ولا بد حينئذ من ملاحظة المرجح و الأصل يقتضي تقديم النص إلا أن يترجح الظاهر بالأثبتية فلا يبعد ترجيح ظاهر مقالة النجاشي هناك على تصريح الشيخ هذا كله إذا أطلق التوثيق وأما إذا قيده كقولهم ثقة في الحديث فيمكن أن يكون التقييد قرينة على إرادة مجرد الاعتماد عليه في الحديث وبيان تحرزه فيه عن الكذب فلا يدل على التعديل بل ولا على كونه إماميا و نقل عن الأكثر القول بأنه يفيد التعديل وهو غير واضح وفي حكم توثيق الرجل عد الحديث المشتمل عليه صحيحا حيث لا يكون عن مشايخ الإجازة ولا يتقدمه أحد من أصحاب الاجماع إن كان ممن يصطلحه فيما يكون جميع رواته موثقين كما هو المتداول في كتب العلامة ومن تأخر عنه دون ما يصح التعويل عليه كما هو المعروف بين المتقدمين ولهذا لا يعد تصحيح الكليني والصدوق لما روياه في كتابي الكافي والفقيه توثيقا لرواتها ولو علم من مذهبه أنه لا يكتفي في تصحيح الرواية بصحتها إلى أصحاب الاجماع كما هو المعروف دل على التوثيق وقريب من ذلك ما لو عمل بالرواية من لا يقول بحجية غير الصحيح وأقوى منه ما لو عارضه صحيح فطرحه وعمل به إذا أول الصحيح طلبا للجمع بينهما وقس على ذلك الحال فيما لو صرح بكون الخبر موثقا أو حسنا ثم إن علماء الرجال قد أطلقوا في حق بعض الرجال ألفاظا منها ما يدل على التعديل نصا أو ظهورا ومنها ما لا يدل عليه بل على مجرد المدح فلنعترض لبيانها منها قولهم ورع أو تقي أو دين والأولان نص في التعديل والأخير ظاهر فيه بل لا يبعد اختصاصه عرفا به وقريب منه قولهم صالح أو خير ومنها قولهم عين أو وجه أو وجه من وجوه أصحابنا فقد عده بعض الأفاضل تعديلا وهو غير بعيد ويمكن أن يقال لا دلالة لهذا القول على تعديل الناقل وإنما يدل على تعديل الذين أضيف إليهم كلا أو جلا إذ من البعيد أن يصير من لا يعتقدون بعدالته و جهالتهم والأظهر أنه يفيد مدحا يصح الاعتماد معه على روايته لا سيما الأخير وأما قولهم أوجه من فلان حيث يكون المفضل عليه ثقة فأقوى في المدح ويحتمل قويا عده توثيقا ومنها قولهم أصدق لهجة من فلان حيث يكون المفضل عليه ثقة والظاهر أنه يفيد مدحا يعتد به في العمل بروايته وكذا لو كان المفضل عليه هنا وفيما مر ممدوحا بما يصح الاعتماد على روايته ومنها قولهم أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وهذا عند الأكثر على ما قيل يدل على توثيق من قيل ذلك في حقه ولعل هذه الدلالة مستفادة منه بالالتزام نظرا إلى استبعاد إجماعهم على الاعتماد على روايات غير الثقة وإلا فهذه العبارة منقولة عن المتقدمين وقد عرفت أن تصحيحهم لا يقتضي التوثيق وربما قيل بأنها تدل على وثاقة الرجال الذين بعده أيضا و هو بعيد لان اعتمادهم على رواية رجل في خصوص مقام لا يدل على توثيقه بشئ من الدلالات أ لا ترى أن علي بن حمزة قد ذكر الشيخ في حقه أنه واقفي وذكر النجاشي أنه أحد عمد الواقفة وقال علي بن الحسن بن فضال إنه كذاب متهم ملعون وقال ابن الغضائري هو أصل الوقف وأشد الناس عداوة للولي من بعد أبي إبراهيم عليه السلام وروى الكشي في ذمه روايات ولم يحك عن أحد توثيقه ومع ذلك فقد ذكر الشيخ في الفهرست أن له أصلا نقل عنه ابن أبي عمير و صفوان إلى غير ذلك من النظائر مما يطلع عليه المتتبع الماهر و أما ما يقال من أن أصحابنا الامامية كانوا يتبرون من الفرق المخالفين لهم لا سيما الواقفية وكانوا يسمونهم الكلاب الممطورة فكيف يعقل ركونهم [سكونهم] إليهم وروايتهم عنهم بل كلما يوجد من رواياتهم عنهم فلا بد أن يكون في حال استقامتهم فمما لا وجه له إذ الذي يظهر أن أصحابنا كانوا يعتمدون على الاخبار المحفوفة بأمارة الوثوق وإن كان الراوي غير إمامي وكفاك في ذلك روايتهم عن النوفلي والسكوني مع أنهما عاميان ولم يكن لهما حال استقامة ومنها قولهم لا بأس به فعده بعضهم توثيقا لظهور النكرة المنفية في العموم ومنهم من منع كونه مدحا وهما في طرفي إفراط وتفريط والأكثر على أنه مدح ويظهر من بعضهم أنه يفيد مدحا يعتد به وهو الظاهر ومنها قولهم أسند عنه وبعضهم جعله كالتوثيق وأولى من قولهم لا بأس به لان معناه رواية الشيوخ عنه الحديث على سبيل الاستناد والاعتماد ولم نقف على مأخذ هذا التعبير لظهور قصور اللفظ عن إفادة كون الراوي شيخا فضلا عن كونه شيخا للشيوخ وكونهم معتمدين على روايته مع أن ذلك بمجرده لا يكفي ما لم يثبت وثاقة بعضهم وقد يوجه ذلك بأنه لو أريد به مطلق الاسناد لم يبق وجه لتخصيص البعض به ويمكن دفعه بعد منع الملازمة بأن ذلك إنما يقتضي إرادة خصوص نوع من الاسناد فيبقى تعيين النوع المذكور بلا شاهد ومنها قولهم من أولياء أحد الأئمة أو صاحبه وجعله بعضهم دليلا على العدالة وهو مشكل ومنها شيخ الطائفة وعده بعضهم من أسباب التعديل ولا ريب في دلالته على مدح معتد به ومنها قولهم فقيه أو فاضل ولا دلالة له على التعديل ظاهرا لا سيما الثاني نعم فيه نوع مدح وأما نحو شاعر أو فصيح أو أديب فهو مدح بما لا يرجع إلى سند الرواية ومنها قولهم سليم الجنبة وفسر بسليم الأحاديث والطريقة فيفيد مدحا يعتد به ومنها قولهم مضطلع الرواية قيل أي قوي الرواية أو عال الرواية فيفيد المدح ومنها قولهم خاصي فقد عده بعضهم مدحا وهو إنما يتم إذا أريد به كونه من خواص الشيعة لا مطلق الشيعة كما يطلق في مقابلة العامي وهو غير ثابت ومنها قولهم قريب الامر وعده بعضهم مدحا و له وجه ومنها قولهم بعد ذكره والحق أنه إنما يدل على كونه إماميا وأما كونه ثقة فلا نعم يشعر بنوع مدح له كما يشهد به تخصيصهم
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»