الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٠١
فيمكن استثناؤه من القاعدة نظرا إلى انعقاد الاجماع عليه إن تم أو الشهرة القادحة في إطلاق أدلة الشهادة أو عمومها فيرجع فيه إلى حكم الأصل من عدم القبول مع عدم ذكر السبب ويمكن تنزيل ذلك على الضوابط من حيث إن الشهادة على الرضاع المحرم شهادة على وقوع فعل مقتض للتحريم فيقبل الشهادة على الفعل دون الاقتضاء لأنه من الاحكام الاجتهادية التي لا تعتبر البينة فيها بخلاف الشهادة على المذكورات فإنها ليست شهادة على أحكام اجتهادية بل على أمور أسبابها وطرفها اجتهادية فيقبل الشهادة فيها دون أسبابها و طرقها وأما الشهادة على الاخوة الرضاعية أو البنوة الرضاعية أو نحو ذلك فيمكن توجيه المنع من قبول الاطلاق فيها لو تم بأنه لم يثبت اعتبار الشارع لهذه الأحوال إلا تبعا لنشر الحرمة فلا يثبت على الاستقلال ويمكن أن يقال لا يعقل من الاخوة الرضاعية إلا المشاركة في الرضاع المحرم وعلى قياسها البواقي فيرجع إلى الوجه الأول هذا مع أن محل البحث إنما هو تعديل الراوي والامر فيه سهل لان حجيته على ما عرفت ليس تعبدية بل دائرة مدار الظن ولا ريب في حصوله مع الاطلاق لا سيما مع الاكتفاء بالتحرز عن الكذب ولك أن تقول الاختلاف في تفسير العدالة راجع عند التحقيق إلى الاختلاف في طرق معرفتها لا في نفسها لأنها عند الكل عبارة عن صفة خاصة هي ملكة الاستقامة في أمر الدين والملازمة عليه ومن فسرها بالاسلام مع عدم ظهور الفسق أو بحسن الظاهر يريد أن ذلك طريق إلى معرفتها والحكم بها وكذلك الجرح بالفسق ليس له إلا معنى واحد و هو عدم الاستقامة المذكورة فلا يتأتى الاشكال فيه أيضا باعتبار تعيين معناه نعم هو كالتعديل في وقوع الخلاف في أسبابه فيتأتى الاشكال السابق فيه ويندفع عما مر من الجواب واحتج موافقونا بأن شهادة العدل من غير بصيرة يقدح في عدالته والفرض خلافه وأجيب بأن الخلاف في الأسباب واقع فلعله يقول بسبب لا يراه الاخر و رد بأن العادل متى أطلق التعديل في محل الخلاف وجب أن يريد المعنى المتفق عليه وإلا لكان مدلسا وهو يقدح في عدالته وفيه أنه إذا أخبر بما يراه عدالة أو فسقا فلا تدليس لظهور أن كل مخبر إنما يخبر على حسب معتقده وبالجملة فالتدليس في الاخبار عبارة عن أدائه الواقع على خلاف ما هو عليه عند المخبر فإذا اعتقد المزكي أن الواقع هو العدالة وشهد به لم يكن مدلسا وإن علم أن معتقد الحاكم خلافه بل لو شهد حينئذ على حسب معتقد الحاكم ولم يصرح به كان مدلسا لإراءته ما هو الواقع عنده على خلافه وقد يوجه الدعوى في المقام بأن علماء الرجال إنما صنفوا الكتب وتعرضوا فيها لأحوال الرجال جرحا وتعديلا ليرجع إليها عامة المجتهدين ويعولوا على مقالتهم وقد علموا باختلاف المذاهب في ذلك فحيث يطلقون فالظاهر أنهم إنما يريدون المعنى المتفق عليه لئلا ينتفى الغرض الداعي إلى تأليف تلك الكتب وفيه تعسف نعم يتجه أن يقال ليس مراد علماء الرجال بالعدالة إلا الملكة أو حسن الظاهر دون مجرد الاسلام مع عدم ظهور الفسق وإلا لم يبق لصاحب هذا المذهب مجهول في الرجال وهو خلاف ما يظهر من كتبهم فمن يكتفي بحسن الظاهر على أنه العدالة أو الطريق إليها يلزمه قبول تعديلهم من هذه الجهة احتج النافي مطلقا بأنه لو ثبت مع الاطلاق لثبت مع الشك إذ لا يزيد ذلك عليه لمكان الاختلاف وأجيب بمنع الملازمة لان قول العدل يفيد الظن إذ لو لم يعرف لم يقل ويمكن دفعه بأنه إن أريد إفادته للظن بالمعنى المعتبر عنده فلا يجدي في القبول أو عندنا فممنوع لوقوع الخلاف وجوابه يعرف مما حققناه في حجة القول المختار واعلم أنا لو تنزلنا والتزمنا بالدليل المذكور فالمتجه على تقديره تفصيل لا تعرض لبيانه في كلامهم وتوضيحه أن الاطلاق في المقام يتضمن الابهام من وجهين الأول ما يختص بالتعديل غالبا وهو عدم تعيين المعنى المراد منه من الملكة أو حسن الظاهر أو ظهور الاسلام مع عدم ظهور الفسق وإنما قيدنا بالغالب احترازا عما لو كان الجرح ينفي العدالة فإنه يشارك التعديل في الابهام المذكور في الجملة والثاني ما يعم الجرح أيضا وهو عدم تعيين الكبائر والصغائر مع تكثر الاختلاف وتشتت الأقوال فيهما فربما يرى المزكي ما نراه كبيرة صغيرة فلا يقدح في العدالة بفعلها ولو من غير إصرار أما الأول فقبول الاطلاق فيه مما لا إشكال فيه عند من يرى القول الأخير لكنه قول غير معروف بين أصحابنا أو يرى القول بأنها حسن الظاهر أو أنها الملكة وحسن الظاهر طريق إليها كما هو المختار لما عرفت نعم من يرى القول بأنها الملكة ولا يعتد بحسن الظاهر طريقا إليها ويمنع اتحاد معنى العدالة يلزمه عدم الاعتداد بالاطلاق لكنه بمعزل عن مقام التحقيق ولو كان الجرح بنفي العدالة فلا ريب في كونه مقبولا عندنا بأي معنى فسرها نعم من يرى العدالة مجرد حسن الظاهر أو ما هو أعم منه يلزمه بمقتضى الدليل المذكور عدم الاعتداد بالاطلاق أما الثاني فالتحقيق فيه أن العبرة في كون المعصية كبيرة أو صغيرة بمذهب الفاعل كما أن العبرة في كون الفعل معصية وعدمه بمذهبه فكما أنه إذا اعتقد الحرام جائزا عن طريق شرعي لم يكن حراما في حقه كذلك إذا اعتقد الكبيرة صغيرة عن طريق شرعي كانت صغيرة في حقه لان مرجع ذلك إلى ضعف مرتبة المعصية وقوتها فكما أن أصل ثبوتها يتبع معتقده كذلك وصفها بالقوة والضعف يتبع معتقده لان المناط في ذلك الهتك و التجري وهو إنما يتبع معتقده الفاعل بأصله ووصفه دون الواقع نعم إذا لم يعتقد شيئا منهما بطريق معتبر مع علمه بكونه معصية اتبع الواقع على الظاهر فلو كانت كبيرة حسبت عليه كبيرة لانتفاء العذر و المانع ويمكن أن ينزل على هذا قوله تعالى ويحسبونه هينا و هو عند الله عظيم على بعض الوجوه وكذا إذا جهل بحال الفاعل في وجه لا سيما إذا كان الجهل في أصل الاعتقاد لا في تعيينه وكذا الحال فيما لو اعتقد تحريم ما ليس بحرام أو وجوب ما ليس بواجب سواء كان ذلك لخطائه في الموضوع أو في الحكم فإنه يتبع معتقده في كون
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»