الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٤٨
الاطلاق مع أن لنا أن نمنع توقف حجية الاجماع بجميع أقسامه على المسألة الكلامية وإنما المسلم توقفها عليها في الجملة ومنها أن المتفقين إن كان تعويلهم على دليل ظني فكيف يكشف لنا ذلك عن دليل قطعي للزوم زيادة الفرع على الأصل وإن كان على قطعي فإثباته لا يخلو عن صعوبة لان طريقتهم المعروفة جواز التعويل على الدليل الظني ولو من حيث الدلالة ويمكن دفعه بأنه قد تبين بشواهد يظفر عليها المتتبع الممارس أن الكل لم يعولوا على دليل واحد بل لهم على ذلك دلائل تفرد كل ببعضها فيستكشف باتفاقهم عن دلائل ظنية فيصح أن يستفاد منها العلم أو يستكشف به عن دليل ظني ويقوم عند شواهد وأمارات أخر يفيد بمعونتها العلم أو يستكشف بالتتبع والفحص عن تعويلهم على دليل قطعي ويقطع أيضا بكونه دليلا قطعيا لحكم العادة بامتناع تواطئهم على الخطأ فإن قيل الدليل القطعي أمر غير حسي فكشف الاتفاق عنه يقدح فيما ذكروه في التواتر من اشتراط أن يكون المخبر به أمرا حسيا قلنا إنما قصدوا بذلك أن التواتر في غير الحسيات لا يستلزم إفادة العلم كما نبهنا عليه في محله لا أنه يستلزم عدم إفادة العلم فلا ينافي ما ذكرناه مع أن لنا أن نمنع عدم كون الدليل مفيدا للعلم حسيا إذا كان المستكشف عنه دليلا سمعيا ولا يقدح كون الدلالة أمرا عقليا لاستنادها إلى الحس كما في تواتر التواتر وكذا لا ينافي ذلك ما سنذكره في دفع بعض حجج العامة من جواز أن يجتمع الكل على الخطأ فإن ذلك سلب للايجاب الكلي فلا ينافي الايجاب الجزئي و اعلم أنه قد يستكشف بالاتفاق عن وجود دليل ظاهري معول عليه عند الكل أو عندنا بل قد يستكشف به عن كون الدليل نصا بالخصوص وذلك كما اتفق على الحكم جماعة وقد عرف من طريقتهم الجمود على متون الاخبار كالصدوقين ومن يحذو حذوهما فيستكشف به تارة عن كون الدليل نصا معتبر الاسناد متضح المفاد و ذلك حيث يعرف من طريقة المتفقين الطعن في الاخبار بمجرد ضعف الاسناد أو التردد في الحكم أو الميل إليه بمجرد خفاء الدلالة و عدم وضوح المراد مع الوثوق التام بأفهامهم وأنظارهم لضبطهم وعلو مقامهم في علوم العربية وعلم الدراية بل قد يستكشف به عن كون النص الموجود صحيحا أو حسنا حيث يعرف منهم الجمود على العمل بهما ويستكشف به أخرى عن كونه نصا في الجملة فيعول عليه بانضمام الاتفاق الكاشف عنه إذا بلغ حد الشهرة وصلح لجبره إذ لا فرق بين العلم الاجمالي بالدليل أو العلم التفصيلي به في وجوب الاخذ به والركون إليه لكن شئ من ذلك لا يسمى إجماعا إذ المعتبر في الاجماع الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم كشفا قطعيا لا الكاشف عن مطلق الدليل وأما مخالفونا فقد استدلوا على حجية الاجماع بوجوه عقلية ونقلية من الكتاب والسنة فمنها قوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين الآية وجه الدلالة أن سبيل المؤمنين أقوالهم و فتاويهم وقد جمع في الوعيد بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين ولا ريب في حرمة الأول على الاستقلال فيكون الثاني أيضا محرما مستقلا وإلا لما حسن الجمع بينهما في الوعيد لقبح قولنا من سرق وشرب الماء وجب قطع يده وإذا حرم اتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباعهم إذ لا مخرج عنها والاعتراض عليه من وجوه منها أنه قد اعتبر في المشاقة كونها بعد تبين الهدى فيعتبر ذلك في الاتباع المعطوف عليها أيضا لان العطف يقتضي التشريك فيلزم أن يكون القيد المعتبر في المعطوف عليه معتبرا في المعطوف أيضا لأنهما كالجملة الواحدة وحرمة مخالفة الاتفاق مع تبين كونه هدى لا يقتضي حرمته مخالفته مع عدمه كما هو المقصود إذ الكلام في حرمة مخالفة الاتفاق المجرد عن الحجة لا المقرون بها وأما ما ذكره بعضهم في توجيه الاعتراض بأن اللام في الهدى للعموم فيتوقف ترتب الوعيد على اتباع غير سبيل المؤمنين على تبين كل ما هو هدى ومن جملته الدليل الدال على حكم الاجماع ففساده غير خفي لأنه يؤدي إلى عدم ترتب الوعيد المذكور على أحد من المنافقين و المتبعين لغير سبيل المؤمنين لعدم ظفرهم بكل ما هو هدى بل بالبعض فالوجه ما ذكرنا وفيه بحث لمنع قضاء العطف بالمشاركة مطلقا وتحقيق القول فيه أن العطف إما أن يكون بين الجمل التامة أو بين غيرها وعلى الثاني إما أن يكون القيد من لواحق المعطوف عليه أو من لواحق ما قبله ففيما عدا الصورة الأخيرة لا يلحق القيد للمتأخر إلا أن ينهض هناك قرينة ولو حالية على اعتباره لأصالة عدمه مع قصور العطف عن إفادته فإن قلت يمكن استفادته من ظاهر العطف من حيث إن مبناه على المناسبة وهي أقوى مع المشاركة في القيد قلت إنما يصح التعويل على مثل هذه النكتة حيث يساعد عليها العرف والاستعمال وعدمه معلوم للمتتبع وأما في الصورة الأخيرة فالظاهر لحوق القيد بالنسبة إلى المعطوف مع إمكانه أما على القول بأن العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه فواضح لان تعلقه بأحدهما مقيدا يوجب تعلقه بالآخر أيضا مقيدا لاتحاده وأما على القول بأن العامل في المعطوف مقدر بقرينة المذكور فالظاهر أن يكون المقدر على حد المذكور فيكون أيضا مقيدا مثله وظاهر أن الآية من الصورة السابقة فيحتاج إثبات القيد في المعطوف إلى دليل والقول بأن المعطوف والمعطوف عليه بمنزلة الجملة الواحدة على إطلاقه بحيث يتناول المقام ممنوع ولو سلم فالهدى المعتبر تبينه في ترتب الوعيد على المشاقة وهو كون الرسول حقا وحرمة مشاقته فقضيته مشاركة المعطوف للمعطوف عليه في القيد اعتبار تبين ذلك في ترتبه على اتباع غير سبيل المؤمنين أيضا وهذا لا يقتضي العلم بمستند الاتفاق ومنها أن غير وسبيل إن كانا أو كان أحدهما للعموم دلت الآية على ترتب الوعيد على من اتبع كل سبيل مغاير لكل سبيل من سبيل المؤمنين أو اتبع كل مغاير لبعض أو بعض مغاير لكل و هذا كله خارج من محل النزاع وإن لم يكونا للعموم بل كانا للبعض لم يثبت به المقصود إذ لا ريب في حرمته مخالفة ما أجمع عليه المؤمنون في الجملة ولو بالنسبة إلى المسائل المعلومة من الدين نظرا أو ضرورة وفيه أيضا بحث لمنع الحصر والتحقيق أنهما للجنس ووقوعهما في سياق الموصول يقتضي عمومهما لجميع الافراد عموما أفراديا بدليا لا شموليا ولا مجموعيا فيندفع الاشكال ومنها أن السبيل حقيقة في الطريق المسلوك وهو غير
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»