الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٥٠
عليهم السلام ويؤيده ما ورد في بعض أخبارنا من أنه في مصحف أهل البيت عليهم السلام كنتم خير أمة وأما حملها على أن ما يجتمع الأمة على الامر به فهو معروف وما تجتمع على النهي فهو منكر فأبعد من الوجهين المذكورين سلمنا لكن وقوع الخطأ بعد الاجتهاد و بذل الوسع لا ينافي الخيرية ولا عموم المعرفين لان ما أدى اجتهادهم إلى كونه معروفا فهو معروف وإن كان منكرا في الواقع وما أدى اجتهادهم إلى كونه منكرا فهو منكر وإن كان معروفا في الواقع مع أن الخيرية لا يستلزم عصمتهم بل يكفي كونهم أقل خطأ سلمنا لكن يكفي في صدق الآية أمرهم بكل معروف واقعي ولو إجمالا و نهيهم عن كل منكر واقعي ولو إجمالا فلا يدل على عدم خطأهم في التفصيل مع أن الآية أخص من المقصود من حيث إن الآية لا تدل على خطأهم فيما عدا الوجوب والتحريم من حكم الوضع والإباحة و المندوب والمكروه أما الأولان فواضح وأما الأخيران فلعدم صدق الأمر والنهي في حقهما مع أن المنكر لا يعم المكروه ولو سلم أن المراد بها معانيها الأعم ولو مجازا كطلب الفعل أو الترك ومطلق المرجوح لكان مفادها أيضا أخص من المطلوب من حيث عدم دلالتها على عدم وقوع الخطأ منهم في الواجب بالحكم بندبيته أو في المندوب بالحكم بوجوبه أو في المحرم بالحكم بكراهته أو في المكروه بحرمته ومنها قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس وجه الدلالة أنه تعالى وصفهم بكونهم وسطا وهو يقتضي عدم انحرافهم عن جادة الشريعة فيمتنع اتفاقهم على الخطأ لان ذلك يوجب خروجهم عنها وأيضا التعليل بأن يكونوا شهداء على الناس يقتضي اتصافهم بالعدالة الواقعية المانعة من اجتماعهم على الباطل وضعفه ظاهر مما مر لان ظاهر الآية على هذا التأويل يقتضي عصمة جميع الأمة فلا بد من تنزيلها على مجرد الأهلية أو تخصيصها بالبعض كالأئمة ومنه يظهر فساد الاستناد إلى التعليل مع أن المعتبر في قبول الشهادة حصول العدالة حال الأداء دون التحمل فيجوز أن يكونوا عدولا في الآخرة وإن لم يكونوا عدولا في الدنيا بحصول ملكتها فيهم قبل الموت أو بعده مع جوازه أن تقبل شهادة المؤمن الفاسق في القيمة ودعوى عدم جوازه كما في الدنيا قياس مع الفارق ومنها قوله تعالى فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول فإنه يدل بمفهومه على أن الرد إليه تعالى و إلى رسوله غير واجب على تقدير عدم التنازع وهو صورة الاتفاق و ليس ذلك إلا لكون الاتفاق حجة مغنية عن تحصيل حجة غيرها و هذا الاحتجاج مدفوع أما أولا فالنقض بقول الجماعة فأدونها إذا تجرد عن الدليل بمجرد خلوه عن المنازع مع أن المستدل لا يقول به و يمكن دفعه بالتزام التخصيص وأما ثانيا فبأن الظاهر من المنازعة التخاصم في الحقوق والأمور المالية دون الأحكام الشرعية كما يدل عليه قوله تعالى في الآية الأخرى يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت فيستقيم المفهوم إذ المحاكمة فرع المنازعة ولأن المتنازعين في الاحكام إن كان نزاعهم عن دليل لم يجب عليهم الرد وإلا لكان نزاعهم محرما لما فيه من الحكم من غير دليل وتخصيص الآية بهذا الفرض المحرم تعسف بين وحملها على صورة تعارض الاخبار أو الأدلة مع بعده يوجب عدم مساعدتها على المقام كما لا يخفى سلمنا لكن مقتضى المفهوم على ما ذكروه عدم وجوب الرد على غير المتنازعين وهو إما أن يخص بغير المتفقين أو يعم المتفقين و المترددين فإن كان الأول خص الحكم بالمتفقين ودار مدار صدق الوصف الدائر مدار وجود الدليل لان المراد الاتفاق بالرأي لا بالقول فلا يتناول غير المتفقين ولا المتفقين حال عدم الاتفاق فلا يدل على حجية الاجماع بوجه وإن كان الثاني فهم إما مترددون في الحكم فهؤلاء وظيفتهم الرد اتفاقا فيجب تقييد إطلاق المفهوم بغير هذه الصورة وإما أن يكون بعضهم متفقين وبعضهم مترددين فإن اتحد العصر وجب الرد على المترددين وهو أيضا موضع وفاق فيجب تقييد الاطلاق بغير هذه الصورة أيضا وإن كان المترددون في عصر متأخر دل مفهوم الآية على عدم وجوب الرد عليهم وهو مستلزم لحجية الاجماع في حقهم لكنه معارض بدلالة منطوق الآية على وجوب الرد عليهم على تقدير نزاعهم فإنه يقتضي عدم حجية الاجماع في حقهم وهو يستلزم عدم حجيته في صورة ترددهم أيضا بالاجماع المركب ولا سبيل إلى التمسك به على الوجه الأول لتوقفه على ثبوت حجية الاجماع فيدور بخلاف الوجه الثاني فإن التمسك بالاجماع المركب فيه مبني على تقدير حجيته لا على ثبوته مضافا على اعتضاده بقول العدم وبقوة دلالة المنطوق بالنسبة إلى المفهوم مع أن عدم وجوب الرد لا يستلزم وجوب الموافقة وإنما يستلزم جوازها و المقصود إثبات الوجوب إلا أن يتمسك بعدم القول بالفصل واعلم أن قوله تعالى وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون أوضح دلالة على عدم اجتماع الأمة على الباطل من الآيات التي تمسكوا بها لكنه ظاهر في وجود معصوم بين الأمة وكثير منهم لا يقول به ولعلهم تركوا الاستدلال به لذلك وأما السنة فقوله صلى الله عليه وآله لا يجتمع أمتي على الخطأ وقوله صلى الله عليه وآله لم يكن ليجتمع أمتي على الخطأ وقوله صلى الله عليه وآله مع الجماعة وقوله صلى الله عليه وآله يدل الله على الجماعة والجواب أما أولا فبالطعن بالسند ودعوى الغزالي أنها متواترة معنى وإن كانت من حيث اللفظ آحادا مباهتة وعناد لان من شرائط التواتر بلوغ المخبرين عداد يمتنع في العادة لكثرتهم اجتماعهم على الكذب وانتفاؤه في المقام أوضح شئ حتى أعرف به جماعة من أهل الخلاف كالحاجبي و العضدي ورد فيه على الغزالي ولأن من شرائطه توافقها في المعنى المدعى تواترها فيه وانتفاؤه في المقام أيضا جلي وأما ثانيا فبمنع دلالتها على المقصود أما الرواية الأولى فلان لفظ الخطأ فيها ظاهر في الجنس وقد حققناه في بحث المفرد المعرف فيكون مفادها عدم اجتماع الأمة على جنس الخطأ وقضية ذلك ما يقوله الامامية من عدم خلو الأمة عن المعصوم وإنما يتم ما زعموه إذا كان المراد بالخطإ فردا منه وهو خلاف الظاهر من الفرد المعرف قطعا والعجب أنه قد اعترض بما ذكرناه بعض أهل الخلاف وغفل عما يلزمه من فساد مذهبه وبطلان طريقته سلمنا لكن مفاد الرواية أن جميع الأمة أو جميع علمائها من المعروفين والمستودعين لا يجتمعون على الخطأ وهذا مسلم عندنا حيث نقول بعدم خلو عصر من الاعصار من معصوم حافظ الشريعة و لا دلالة لها على حجية إجماع علماء العامة ولا العلماء الظاهرين من الأمة ولا على الاجماع من حيث كونه إجماعا كما زعموا وبهذا يظهر الجواب عن الرواية الثانية وأما الرواية الثالثة فإن حملت على إطلاقها لزم منه وجوب موافقة كل جماعة وإن كانوا بعضا من أهل الحل والعقد وهم لا يقولون به ومع العدول عنه فليس هناك معنى ظاهر يترجح الحمل عليه فحملها على صورة اتفاق الكل من العامة ليس بأولى من حملها على إرادة جماعة مخصوصين وهم كبار الصحابة الذين عرفت لهم المزية على غيرهم علما وعملا كعلي عليه السلام وسلمان وأبي ذر ومقداد وعمار وأضرابهم ممن اعترف بفضلهم العامة والخاصة وهؤلاء الذين هم أنكروا بيعة الأول بعد ما عرضت عليهم حتى ألزموهم بها بالتخويف والتهديد فالتجئوا إليها تقية منهم ولا ريب أنه يسوغ عند الخوف ما هو أعظم من ذلك قال الله تعالى من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان وقال إلا أن تتقوا منهم تقاة وكان فيها تعريض بمتابعتهم في ذلك وتنزيلها على هذا المعنى ليس بأبعد من تنزيلها على ما ذكروه من حجية اتفاق السفلة الذين عقدوا بيعة الثلاثة وأما الرواية الأخيرة
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»